تعليق مسترسل على مذكرة تدّعي تمثيل «التيار الوطني الاردني»

 

العرب اليوم

2000/09/21

ناهض حتّر

  • مفهوما «السكان الاصليين» و«الحقوق المنقوصة» من مصدر اميركي واحد

  • محاولة بائسة ومحكومة بالفشل لاعادة انتاج افكار 1970

  • «الوطنية الاردنية» حركة تقدمية شعبية تنبذ الفكر العنصري والبوليسي وتسعى الى التحرر والوحدة والديمقراطية

  • صراع المصالح الاردنيةالفلسطينية موجود ولكنه ليس الصراع الرئيسي ويمكن حله سلمياً وديمقراطياً

  • 1-وزعت جهة غير معلنة، مؤخراً، وعلى نطاق واسع، ما اسمته: «مذكرة من التيار الوطني الاردني حول العلاقة الاردنيةالفلسطينية / قضية اللاجئين الفلسطينيين والتوطين ومزاعم الحقوق المنقوصة». وقد اصبحت هذه «المذكرة» محل اهتمام الصالونات السياسية والسياسيين والمهتمين، وتزايد الطلب عليها بصورة ملفتة، مما يعني انها امتلكت طريقها الاتصالي الخاص، في تحد جديد ناجح لدائرة التحريم المضروبة على وجهات النظر الاردنية غير الرسمية، ازاء القضية الاكثر خطورة والحاحاً في البلاد، في هذه المرحلة، وهي قضية العلاقة الاردنيةالفلسطينية. وربما كان هذا درساً للقائمين على «حرية» الصحافة الاردنية، يعلمهم ان قمع الافكار والمشاعر نحو قضية حية، هو عبث لا طائل وراءه.

«شيخ واحد؟

2-و«المذكرة» غفل من التواقيع. فمن اصدرها؟ ولماذا قرر مصدروها «الاختفاء»؟ وفي الاجابة على هذين السؤالين، استطيع ان اؤكد، اولا،ً ومن واقع كوني احد العاملين المثابرين، منذ عدة سنوات، على تأسيس تيار فكري وسياسي للوطنية الاردنية؛ واعرف، شخصياً، القسم الرئيس من الرفاق العاملين في هذا الحقلومعظمهم مثقفون يساريون او قوميون او اسلاميون او جامعيون من شباب الريفان الجهة التي اصدرت «المذكرة» لا تنتمي الى هذا الاطار النضالي. فلعلها، ثانياً، تنتمي، على الارجح، الى دائرة القوى الاجتماعية البرجوازية اليمينية ذاتها التي خرج منها، على الضد، دعاة الحقوق المنقوصة الفلسطينييون.

وحجتي هي ان المفهوم الاساسي الذي تستند اليه «المذكرة»، وهو مفهوم «السكان الاصليين» (indigenous people) هو، مثله مثل مفهوم «الحقوق المنقوصة» (disfranchise)، مأخوذ من وثائق الخارجية الاميركية حول الاردن. وانا استبعد، بالطبع، المفهوم التآمري الذي يرى ان السفارة الاميركية هي التي تحرك الجهتين؛ ولكنني اسلط الضوء، هنا، على الطبيعة الاجتماعية المشتركة لهاتين الجهتين، من حيث انهما يستقيان فكرهما من مرجعية واحدة، هي المرجعية الامبريالية الاميركية. اما لماذا قررت الجهة الاردنية، «الاختفاء»، بينما نظيرتها الفلسطينية، تحركت علناً. فهذا يعود، في رأيي، الى ان موازين القوى هي في صالح الجهة الاخيرة. ولا يتحدى موازين القوى، عادة، الا اصحاب النزعة النضالة.

3-صدرت «المذكرة» في «19» صفحة؛ ولكن مضمونها الاساسي يمكن تلخيصه كالتالي:

الاردنيون هم اولئك الذين كانوا اردنيين لدى اعلان المملكة 1946؛ وهؤلاء هم «السكان الاصليون» في الاردن؛ ولهم حقوق طبيعية مقررة، اما الفلسطينيون الذين هُجِّروا الى البلاد في الأعوام 48، 67، 82، 1990، فهم لاجئون يتمتعون فقط بحق العودة الى وطنهم.

المملكة الاردنية الهاشمية هي كيان سياسي راسخ وشرعي. ويستمد شرعيته وشرعية دوره من «شرعية القيادة الهاشمية وانجازاتها»، ومن قدرته على ان يصبح «انموذجاً ديمقراطياً ومركز ابداع في التعليم العالي والخدمات الطبية والتجارة الحرة…» وتشير «المذكرة» الى ترسيم حدود المملكة، بعيد الحرب العالمية الاولى، لتؤكد «ان الاردن ليس فلسطين، وان فلسطين ليست الاردن».

– «بدأت المشكلة الوطنية في الاردن عندما استقبل عدة موجات من الهجرات القسرية الفلسطينية» حتى بلغت نسبة الفلسطينيين في الاردن، حالياً، 44%، وهو ما اصبح يهدد الهوية الوطنية للبلاد، ويضير مصالح «سكانها الاصليين». وتلاحظ «المذكرة» ان الفلسطينيين وقفوا، دائماً، ضد الوحدة الأردنيةالفلسطينية؛ وعملوا، دائماً، ضد النظام الاردني والدولة الاردنية. وهي تدينهم بالاعمال التالية: اغتيال الملك عبد الله الاول 1951. والقيام بمظاهرات احتجاجية ضد النظام والوحدة، وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية «تعبيراً عن نزعة الانفصال»؛ والافتئات على دور الجيش الاردني في معركة الكرامة 1968، وافتعال فتنة ايلول عام 1970، واغتيال رئيس الوزراء وصفي التل، ومحاولات اغتيال الملك حسين، واستصدار قرار مؤتمر القمة العربي، عام 1974 «والذي اعتبر م. ت. ف ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني» واخيراً «وليس اخراً» عقد اتفاقية «اوسلو»، المنفردة مع اسرائيل، عام 1993.

وتلح «المذكرة» على مركزية قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية، عام 1988 باعتباره الاساس في تحديد العلاقة الاردنيةالفلسطينية. فهو يلغي «الوحدة» وتبعاتها، بما في ذلك اي حقوق مواطنة للفلسطينيين في الاردن. وهي تذكر بخطاب الملك حسين في 17 آب 1988 الذي نص على ان «جوازات السفر الاردنية ستبقى مع الاردنيين من اصل فلسطيني حتى يأتي اليوم الذي تقوم فيه الدولة الفلسطينية المستقلة».

وتلوم «المذكرة»، الحكومات الاردنية المتعاقبة منذ 1988 على تساهلها في عدم استكمال الاجراءات المترتبة على قرار فك الارتباط، مما ادى الى «تكوين ضبابية حول وضع الفلسطينيين في الاردن. وطرح مشروعات مشبوهة مثل الكونفدرالية، والوطن البديل، واستعاب وتوطين اللاجئين، والنظام البديل، والمطالبة بمزيد عن الامتيازات للفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الأردنية.

وتخصص «المذكرة» فصلاً خاصاً عن مزاعم «الحقوق المنقوصة»، وتعتبرها باطلة شرعاً ومرفوضة؛ واعتداءً صارخاً على الشعب الاردني وحقه في السيادة على ارضه؛ وتهدف، بشكل مكشوف، الى الهيمنة الفلسطينية الكاملة على القرار السياسي الأردني؛ وتثير الفتنة وتستعيد اجواء ايلول 1970 وذلك، بالاضافة الى انها مؤامرة صهيونية لحرمان الشعب الفلسطيني عن حقه الطبيعي بالعودة الى ارض وطنهالخ.

وتشير «المذكرة» الى ان الاردنيين قلقون على مستقبلهم لأن القطاع الخاص الاردني اصبح فلسطينياً؛ ولأن نسبة الفلسطينيين المقيمين في الاردن أصبحت 44% من عدد سكانه، وهو «ما يهدد هوية البلاد، ويخلق مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية واسكانية وتعليمية وصحية فوق طاقة الاردن». وتتهم «المذكرة فلسطينيي الاردن بأنهم غير مهتمين بالعودة، وان زعماءهم يسعون الى اقامة كونفدرالية اردنيةفلسطينية، «وهي دعوة لابتلاع الاردن، وتدمير الحقوق الفلسطينية في فلسطين وتفريغها».

وتلاحظ «المذكرة»، اخيراً، ما يمارس من ارهاب فكري ضد المدافعين عن حقوق «السكان الاصليين» في الاردن، واتهامهم بالاقليمية، والهجوم المنظم على العشائرية بهدف تفكيك المجتمع الاردني، وتسهيل اخضاع الشعب الاردني.

وتنتهي «المذكرة» الى جملة مطالب تؤكد على رفض التوطين ومحاربته، والتعاون الاردنيالفلسطيني لتطبيق القرار 194؛ الى استكمال اجراءات تنفيذ قرارات فك الارتباط، ومحاربة دعاة الحقوق المنقوصة، وعدم الوقوع في فخ الكونفدرالية. وتعلن «المذكرة»، في الختام «التفاف التيار الوطني الأردني حول القيادة الهاشمية».

مفهوم انثروبولوجي امبريالي

4-ان الحجة الفكرية الرئيسية في «المذكرة» تستند الى مفهوم «السكان الاصليين». وهو مفهوم انثروبولوجي استحدثه الفكر الامبريالي لوصف البقايا الديمغرافية للمجتمعات القديمة التي استطاع المستعمرون الاوروبيون تدميرها في انحاء عدة من العالم، ولا سيما في الاميركيتين، وخصوصاً في الولايات المتحدة، حيث تم تدمير مجتمعات تاريخية وكيانات سياسية، بقي منها «اقوام» و«سلالات» و«عشائر» من البشر الفائضين عن الحاجة هم الذين يوصفون بانهم «السكان الاصليون»؛ وهي مقاربة الهدف منها طمس حقيقة ان هؤلاء البشر، كانوا ينتمون، بالاساس، الى بنى اجتماعية قائمة ومتجسدة في كيانات ساسية تم تحطيمها، بحيث لم يبق منها سوى موجودات بشرية تصلح للدرس الانثروبولوجي.

«فالسكان الاصليون» مفهوم عنصري امبريالي يفصل بين البشر وتاريخهم الاجتماعيالسياسي، ويتعامل معهم كموجودات «طبيعية» مثلها مثل سلالات الحيوان النادرة، والمعرضة للانقراض. كما هو حال الهنود الحمر في اميركا، واما الاتجاهات الليبرالية الاميركيةوالاوروبيةالتي تزعم الدفاع عن حقوق «السكان الاصليين» فهي، مثل الاتجاهات الليبرالية الامبريالية الاخرى، التي تعمل على «معالجة ضمير» للجرائم الامبريالية، ولا تسعى ولا يهمها تأمين او استعادة الحقوق الوطنية المشروعة «للسكان الاصليين»، ولكن حقوقهم بوصفهم «اقليات» وموجودات بشرية ادنى، وتستحق الرعاية والحماية، للحفاظ على حيوية اقسام الانثروبولوجيا في الجامعات والمعاهد الاكاديمية. وفي هذا المجال الليبرالي نفسه، تنشط قوى الدفاع عن «الحقوق المنقوصة للأقليات» والنساء، والملونينالخ، فاليمين الامبريالي يرتكب الجرائم، بينما تسعى الليبرالية الامبريالية الى اكرام القتلى! ومداواة الجرحى! ومنح المشردين رغيفا وبطانية! وفي الاطار نفسه: شردت العصابات الصهيونية القسم الرئيسي من الشعب الفلسطيني العام 1948، بعد ان دمرت المجتمع السياسي الفلسطيني نفسه. ثم تعاملت الليبرالية الدولية مع نتائج الجريمة بواسطة وكالة الغوث، بينما تعاملت الليبرالية الصهيونية مع بقايا المجتمع الفلسطيني المدمر، بواسطة الدفاع عن حقوق بقاياه السكانيةما عدا، بالطبع، حقوقه الوطنية. وفي الوقت الذي تقدم الولايات المتحدة الاميركية فيه، الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي للعدوان الصهيوني على فلسطين وشعبها، فإن وكالاتها الليبرالية، تنفق ملايين الدولارات في الضفة الغربية وغزة لمساعدة النساء والجمعيات الخيرية والبيئية ومراكز الدراسات…. الفلسطينية، دفاعاً عن حقوق «السكان الاصليين» المدنية، ولكنليس الوطنية.

ان مفهوم «السكان الاصليين»، لا يتضمن، حكماً، مفاهيم السيادة والاستقلال والتحرر الوطني والتقدم في الاطار الاجتماعي القومي؛ بل يتعامل مع موجودات بشرية في «مجتمعات عيانية» متفرقة لها هوياتها الانثروبولوجية؛ ولكن ليس مع مجتمع قومي كلي.

ولعل استيراد مفهوم «السكان الاصليين» لتأكيد حقوق الشعب الاردني، من حيث قبول اصحابه المتحمسين بالوضع الدوني للسكان الاصليين، تعبيراً عن ضحالة الفكر، والهزيمة الروحية، والجبن السياسي امام تكالب القوى الدولية والاقليمية والمحلية الهادفة الى تدمير المجتمع السياسي الاردني والدولة الاردنية، وتحويل الاردنيين الى بقايا ديمغرافيةمن «السكان الاصليين»! وكأنه استشراف، وقبول مسبق، بالهزبمة، وتنظير لنتائجهاومخاطبة دونية لليبرالية الأميركية ان تهب للتضامن مع الاردنيين من الزاوية الوحيدة الممكنة لهذا التضامن، وهي زاوية كونهم «سكاناً اصليين». ولكن الأردنيين ليسوا بعد، «سكاناً اصليين»، بل اهل عصبية ودولة، اي انهم يشكلون مجتمعاً سياسياً. ولا شك ان هناك عملية عدوان كبرى تهدف الى تدمير هذا المجتمع السياسي، والتعامل، بالتالي، مع بقاياه بوصفهم «سكاناً اصليين»، سوف تنشط المنظمات الليبرالية في الدفاع عن «حقوقه». ولعله من العجيب ان يتبنى «التيار الوطني الاردني» هذه النتيجة قبل ان ينجلي غبار المعركةام انها محاولة من «التيار…» لاختراق العداء الاميركي للحركة الوطنية الاردنية، بتبني مفهوم الخصم «الاميركي» عن الذات الوطنية «الاردنية»؟ هل سيجلب ذلك تفهم الاميركيين ومساعداتهم؟ حتماًولكن ليس للمطالب التي وضعتها «المذكرة»! ليس للعمل على عودة اللاجئين، وتعزيز الدولة الاردنية، بل في السياق المعاكس، اعني استكمال جريمة الوطن البديل، والتعامل، لاحقاً، مع نتائجها، ومن هذه النتائج وجود وحقوق «السكان الاصليين».

5-تقول «المذكرة» ان «الشعوب الاصلية هي في العادة سلالة السكان الاصليين في منطقة ما او دولة ما احتلت من قبل غرباء اكثر قوة، او هاجرت اليها مجموعات من شعوب اخرى». فهل هذا ينطبق على الاردن والاردنيين؟

الاردن دولة مستقلة ذات سيادة؛ ووجود المهاجرين الفلسطينيين فيها له حيثيات معقدة. والاردنيون ليسوا «سلالة» اثنية، ولا طائفة، ولا مجرد سكان اقليم جغرافي. الاردنيون مجتمع سياسي تاريخي تكون جراء تفاعلات محلية واقليمية ودولية في القرنين الاخيرين من العهد العثماني، واخذ شكله القانوي بعد انفراط الدولة العثمانية. والاردنيون «بغض النظر عن النسب، فهي ليست ذات دلالة هنا» يتكونون من العرب وغير العرب «الشركس والارمن والاكراد»، ومن المسلمين والمسيحيين، وسكان الاقليم والمهاجرين من سكان الاقاليم المجاورة «الشام ولبنان والحجاز وفلسطن». وقد انصهر جميع هؤلاء في عملية التحولات الاجتماعيةالاقتصادية التي شهدها شرق الأردن، في القرنين 18 و19 ومطلع القرن العشرين، والتي تمثلت في:

أ) الامتلاء الديمغرافي المتدرج والمرتبط مع الاحتياجات الاقتصادية مثلما مع احتياجات الانسجام الاجتماعي.

ب) انتصار الفلاحة وتكون القرى والبلدات والاسواق المحلية واتصالها بالاسواق الاقليمية والدولية.

ج) وبالتالي، تكوّن العشائر نصف الفلاحيةنصف البدوية، بتقاليدها وقيمها وثقافتها المميزة التي تجسدت في الشخصية الوطنية الاردنية، بسماتها المعروفة.

د) تكوّن فئة من الفلاحين الاغنياء والمتوسطين، والتالي، نشوء نخبة اردنية، بدأ يتضح حضورها، مطلع القرن العشرين، في الهيكل الاداري والعسكري للدولة العثمانية. وهذه النخبة، بالذات، هي التي تبنت واطرت، في العشرينات، اسس الوطنية الاردنية.

شرعية الدولة الاردنية

6-لا تستمد الدول شرعيتها من الاتفاقات الدولية، لأن اتفاقات دولية اخرى قد تطيح بها؛ ولا من انظمتها السياسية، فهذا عامل غير ثابت؛ بل تستمدها، بالاساس، من تمثيلها «النسبي بالطبع» لمجتمع سياسي وطني قائم او لديه مقومات القيام. والدرس التاريخي يعلمنا ان الدولة الاردنية، بهذا المعنى، لا تنقصها الشرعية التاريخية؛ بل تمثل، على العكس، انموذجاً. ولا تستمد الدولة الاردنية، شرعيتها من اتفاقية سايكسبيكو، ولا من ترسيم الحدود الذي قرره المستعمرون الاوروبيون، ولا يفصلها عن فلسطين، مجرى النهر او اختلاف «السلالة»، بل اختلاف البنيتين الاجتماعيتين على ضفتي النهر، ما جعل «الفلسطينيين» الذين هاجروا الى الاردن في ظروف طبيعية، واندمجوا في المجتمع السياسى الاردني، طوعاً واختياراً، «اردنيين»… وما جعل «الاردنيين» الذين هاجروا الى فلسطين، في سياق مماثل، «فلسطينيين». ونعني، باختصار، ان شرعية الدولة الاردنية لا يمكن تأسيسها علمياً الا في السياق الاجتماعيالتاريخي. وكل بحث عنها خارج هذا السياق، لن يؤدي فقط الى الوقوع في مستنقع العنصرية والمفاهيم الاستعمارية، بل، ايضاً، الى عكس المراد.

واذا ما التزمنا بالسياق الاجتماعىالتاريخي لقيام الدولة الاردنية وشرعيتها، فلا يمكننا، بالطبع، القبول بما تدّعيه «المذكرة» من ان المشكلة الوطنية في الاردن، بدأت مع هجرة الفلسطينيين الاولى العام 1948! ذلك ان المشكلة الوطنية الاردنية بدأت، في الحقيقة، لدى سقوط الدولة العربية السورية، عام 1920، على ايدي الغزاة الفرنسيين المتحالفين مع الغزاة الانجليز. فبذلك، انهار مشروع الدولة القومية المطابق لاحتياجات تطور المجتمع السياسي المحلي الاردني، وانقطع اتصاله الطبيعي، الاقتصادي والاجتماعى والسياسي، مع المجتمعات المحلية الاخرى في بلاد الشام، واصبح امام مهمة شاقة جديدة، هي تأسيس دولته المحلية، بما يلائم احتياجاته الوطنية؛ بيد ان المستعمرين، وليس ممثلي المجتمع المحلي الاردني، هم الذين رسموا حدود الدولة، فجاءت ملبية لاحتياجات تقاسم النفوذ الاستعماري، وليس لاحتياجات المجتمع المحلي، من حيث ان الحدود السياسية للدولة الاردنية، لم تتطابق مع حدودها الاجتماعية، الاقتصاديةالثقافية، فقد تم تصغير البلد من جهة الشمال تلبية لارادة الاستعمار الفرنسي، وتم تكبيره من جهة الشرق، تلبية لمصالح الاستعمار الانجليزي، وحاجته الى طريق آمن بين حيفا وبغداد. ومع ذلك، وبرغمه، فقد ظلت الدولة الاردنية ذات اصالة اجتماعية، هي التي حافظت على وجودها السياسي، وسمحت بتطورها النسبي.

المشكلة الوطنية الاردنية، نجمت، بالاساس، عن سقوط مشروع الدولة السورية، وحل هذه المشكلة، تاريخياً، يظل له عنوان رئيسي يتمثل في ضرورة احياء ذلك المشروع في اتحاد لابد أن ياخذ بعين الاعتبار واقع الدول القائمة.

ثم تعقدت المشكلة الوطنية اكثر بالهيمنة الاستعمارية البريطانية، فالاميركية على البلاد، التى شهدت، في الآن نفسه، عدواناً اسرائيلياً سافراً ومستمراً، عسكرياً وسياسياً، منذ نصف قرن، بدون توقف. ومن نتائج هذا العدوان، نشأت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بعامة، وبالنسبة للاردن بخاصة. وقد تعقدت هذه المشكلة اكثر، بسبب ان القرار السياسي الاردني الرسمي اتجه نحو استيعاب بقايا فلسطين «الضفة الغربية» وبقايا تدمير المجتمع السياسي الفلسطيني «اللاجئين» في اطار الدولة الاردنية. وذلك بوسائل قسرية، مما حمل الاردن والاردنيين، اعباء ضخمة، ووضعهم امام استحقاقات صعبة، وعصف بالدولة الاردنية، واستقرارها، وآفاق تطورها، بل وانسجامها الوطني.

عنصرية

7-وتنحو«المذكرة» في معالجتها الموقف الفلسطيني من الوحدة الاردنيةالفلسطينية والدولة الاردنية، مناحي عنصرية وبوليسية، وتتجنى على الحقيقة التاريخية. فلن يكن موقف الفلسطينيين موحداً وجوهرياً ازاء تلك الوحدةوالدولة بل كانت في صفوفهمدائماًتيارات لكل منها موقفه. فالقوى الاجتماعية التقليدية الفلسطينية ارادت، بالفعل، ان تندمج في المملكة الاردنية الهاشمية. وكان ذلك يعبر عن مصالحها، بالاضافة الى جيش الانتهازيين الذي وجد في حاجة المملكة الى ولاء الفلسطينيين فرصته الذهبية. وبالمقابل، فإن قسماً رئيسياً من القوى الشعبية الداعية، سعى بالفعل، الى الاندماج، آملاً قي تطوير الدولة الاردنية باتجاه قوميديمقراطي، واعني هنا الشيوعيين والبعثيين والديمقراطيين الفلسطينيين الذين تعاملوا باخلاص وتفان مع دولة الوحدة، من موقع المعارضة. وكان نشاط هؤلاء، بالتضامن النضالي مع نظرائهم الاردنيين، وراء تأسيس الاحزاب العقائدية الموحدة للشعبين، واطلاق الحركة الوطنية الديمقراطية من قيودها، وتعظيم قوة ومكتسبات الحركة الشعبية التي تكللت بقيام حكومة سليمان النابلسي عام 1956، ولو اتيح لهذا الاتجاه ان يستمر، لكانت الوحدة الاردنيةالفلسطينية، قد ترسخت ديمقراطياً، الا ان الانقلاب علي الديمقراطية، عام 1957، ادى الى تعزيز تيار شعبي اخر بين الفلسطينيين، هو التيار الاقليمي الذي عبرت عنه «حركة فتح» والقسم الاساسي من «حركة القوميين العرب».

على كل حال، لا بد من التذكير، هنا، اننا خسرنا الضفة الغربية عسكرياً، عام 1967، وسياسياً عام 1973، عندما استنكفنا عن خوض حرب تشرين على الجبهة الاردنية. وظلت الحكومات الاردنية المتعاقبة، على ذلك، تسعى الى منافسة منظمة التحرير الفلسطينية. وتقمع التعبيرات الفلسطينية، وتلح على اردنة الفلسطينيين بالقسر، طوال السبعينات والثمانينات، بالرغم من القرار العربي احالة تمثيل الفلسطينيين الى المنظمة. وليس بدون دلالة ان قرار فك الارتباط قد تأخر صدوره خمسة عشر عاماً من(1974) الى (1988) وان الاجراءات الدستورية والقانونية المرتبطة بهذا القرار لم يجر تنفيدها حتى الآن؛ بينما يتبنى الموقف الرسمي الاردني، اتجاهاً ثابتاً يقول بأن الفلسطينيين في الاردن هم اردنيون.

ان من اول واجبات التيار الوطني الاردني ان ينخرط في عملية نقد تاريخي جذرية لسياسات الالحاق والقسر والقمع وشراء الذمم والضمائر التي مورست ضد الفلسطينيين من قبل الحكومات الاردنية المتعاقبة منذ 1948 وحتى اواسط الثمانينات، بدلا من الانزلاق الى مستنقع العنصرية، فاذا كان قتلة الملك عبدالله الاول ووصفي التل، «فلسطينيين»، فالشعب الفلسطيني غير مسؤول، جماعياً، عن هذه الافعال وسواها. واذا كان ثمة فلسطينيين تظاهروا او ناوءوا او عملوا ضد النظام الاردني، فان الاردنيين ليسوا ابرياء من هذه التهمة. فلم يكن الفلسطينيون في الاردن عندما نشبت الحركات المعارضة المسلحة بين 1920 و1928 ولم يشاركوا، كذلك، في فعاليات المعارضة السياسية بما في ذلك المظاهرات الاحتجاجية العنيفة في الثلاثينات، بينما لم تزد نسبة الفلسطينيين في قضايا «الانقلابات»، سواء اكانت حقيقية ام لا، عن 10 بالمئة.

وكذلك، يستطيع اي باحث ان «يكتشف» ان نسبة السجناء السياسيين الاردنيين في الخمسينات والستينات كانت ازيد دائما من نسبة نظرائهم الفلسطينيين، ومن قال ان مظاهرات السلط واربد وسواها من المدن الاردنية، كانت، في الخمسينات والستينات، اقل عنفاً من مظاهرات الضفة الغربية؟! واذا ما اخذنا السنوات العشر الاخيرة، فان الحقيقة الساطعة التي تطمسها «المذكرة» هي ان الاردنيين، وليس الاردنيين من اصل فلسطيني، هم الذين قاموا بالمظاهرات الاحتجاجية العنيفة، وشكلوا محور المعارضة السياسية في البلاد. اما اذا كانت تدين الفلسطينيين لانهم تظاهروا وناوءوا الوحدة، طوال هذا الوقت، افلا يكون الاستنتاج ان الموقف الصحيح كان يتمثل في ان نتركهم وشأنهم!؟ لا ان نفرض عليهم تلك «الوحدة» بالقوة؟!

ان محاولة اصحاب «المذكرة» اعادة انتاج افكار 1970، بائسة بالفعل. فلا الولايات المتحدة ولا النظام السياسي الاردني في وارد التحالف مع «التيار الوطني الاردني». ولا ينفع السعي اللئيم لتذكير الجهتين بالماضي، شيئاً مع حقائق الحاضر، حيث م.ت.ف. قوة اقليمية متفاهمة مع الاميركيين، والاسرائيليين؛ وحيث يقف النظام السياسي الاردني خارج المعادلة، مشدوهاً امام التوافق الرباعي (الاميركيالاسرائيليالفلسطينيالمصري) على تجاهله، وعلى التعامل مع التوطين في الاردن باعتباره واقعاً قائماً بل وغير خاضع للمناقشة والتسعير، بينما يتم تنشيط العملية السياسية الداخلية لتحويل التوطين الى حقيقة سياسية من «حقائق» الحل النهائي.

وعندما يعرض اصحاب «المذكرة» على الفلسطينيين، التحالف لتنفيذ القرار الدولي 194 القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين والتعويض عليهم، فالاولى بهم ان يؤسسوا لهذا التحالف بالنظر الموضوعي الى حقائق الماضي: ان الحكومات الاردنية المتعاقبة (وهي تمثل طبقة اردنيةفلسطينية متحالفة) خصّت الشعب الفلسطيني باضطهاد مزدوج. فهي عممت قمعها الاجتماعي والسياسي على الشعب الاردني ليشمل الفلسطينيين، وخصّت الأخيرين بقمع كل تعبير وطني، ما دفع بالاكثرية الفلسطينية الى اللجوء الى الحركات الإقليمية، والسعي الى تمزيق الوحدة الاردنيةالفلسطينية. ثم ان هذه الوحدة لم تسقط بفعل «المظاهرات الاحتجاجية الفلسطينية»، ولكن بجنازير دبابات الاحتلال، وبنكوصنا عن محاولة تحرير الضفة الغربية، عندما كانت المحاولة متاحة خلال حرب تشرين 1973. فلو دخلنا يومها بدباباتنا اى الضفة الغربية، لخرجت «فتح» و«م.ت.ف» من عقول وقلوب الفلسطينيين. وربما كانت المحاولة محكومة بالفشل، عسكرياً، ولكنها كانت محكومة بالنجاح سياسياً.

الان، انقلبت الطاولة! وهناك مسعى لكي تفرض «الفلسطنة» والوحدة القسرية (الكونفدرالية او الفدرالية) على الاردنيين. ومن حق الاردنيين، بالطبع، ان يقاموا. ولكن هذه المقاومة لن يكتب لها النجاح من موقع العنصرية والتزييف التاريخي والمحاولات البائسة لاستيراد حثالة الفكر الانثروبولوجي الامبريالي؛ بل بوساطة بناء حركة وطنية شعبية مسلحة بالفكر التقدمي، وبالرؤية العروبية، وبالروح الديمقراطية.

صراع مصالح

8-لا يخفى ان تعقيدات العلاقة الاردنيةالفلسطينية، في اطارها المحلي والاقليمي والدولي، قد انتهت الى ان تكون محكومة بصراع مصالح. وهذه حقيقة لا يجدي معها التكاذب او التجاهل. وسأعدد، فيما يلي، المصالح المتضاربة تلك، على المستويين الداخلي والخارجي بحثاً عن حل سلمي وديمقراطي وودي لهذه التناقضات التي تظل، في النهاية، ثانوية.

على المستوى الداخلي:

1-هناك قسم من الاردنيين من اصل فلسطيني لم يعد بالفعل معنياً بممارسة حق العودة؛ وهو يريد ان (وهو بالفعل) يستقوي بالنفوذ الاميركي لمقايضة حق العودة بالحصول على امتيازات اضافية وخصوصاً سياسية في الاردن. وبالمقابل، هناك قسم من الاردنيين يريد المحافظة على امتيازاته الطبقية والفئوية ولا يريد مشاركة نظرائه الفلسطينيين في امتيازاته الا (اللهم) اذا شاركوه في امتيازاتهم. واذا ما عقدت صفقة بين ابناء هذه الطبقة الواحدة، فلن يهتم القسم الاردني منها، كذلك، بالتوطين السياسي ومن يقاومه. وسيضرب بمصالح الجماهير الاردنية المتضررة فعلا ًمن التوطين، عرض الحائط. كذلك، لن يهتم بطمس الشخصية الوطنية الاردنية، طالما ان امتيازاته محفوظة وقابلة للتوسع.

2-على المستوى الاعمق، فان هناك حقيقة ينبغي الاعتراف بها، ولا يؤدي طمسها او معالجتها بالمجاملات، الا الى زيادة فعاليتها. وهذه الحقيقة هي ان المجتمع الاردني يعيش انقساماً حاداً بين الكتلتين الرئيسيتين اللتين يتكون منهما. وهما الكتلة الاردنية والكتلة الفلسطينية. وهذا الانقسام عميق وفاعل، لانه يقوم على اساس اجتماعياقتصادي وثقافي لا على طارئ سياسي، وان كان كل طارئ سياسى يشحنه ويقويه:

فالكتلة الاردنية، وهي كتلة ريفية ما تزال، تتركز قواها العاملة في الوظيفة الحكومية والعسكرية. وطالما كان مردود هذه الوظيفة (المدعم بقوة الدينار) مجزياً وذا هيبة وامتيازات، ظل الاردنيون الذين اسعفتهم، في السبعينات والثمانينات، الاموال الناجمة عن بيع اراضيهم الموروثة لتحسين اوضاعهم، راضين سياسياً، ولكن، مع الانهيار الاقتصادي في نهاية الثمانينات، وتراجع القوة الشرائية للدينار، وتحول الموظفين الى بروليتاريا، وانتقال ملكية القسم الاساسي من الاراضي الى البورجوازية، فان كل ذلك ادى الى تململ سياسي عريض وعميق في صفوف الاردنيين، تجلى في انتفاضات نيسان 1989، وآب 1996، وشباط 1998… كما في انتقال القسم الاساسي من النخبة الشعبية الى صفوف المعارضة السياسية.

وبالمقابل، فان الكتلة الفلسطينية في الاردن هي كتلة تعيش في المدن وبورجوازية ولها صلات منتظمة بالخارج، واقل ارتباطاً بالداخل واقتصاده وقضاياه. وهذا لا يعني ان الفلسطينيين في الاردن بورجوازيون جميعاً. كلا. فالكتلة الفلسطينية تعج بالكادحين والفقراء؛ ولكن، مع ذلك ينبغي التأكيد على (أ) ان فلسطينيي الاردن بعامة اكتر قدرة على المناورة الاجتماعية والاختيار بين بدائل متاحة (ب) وان العقلية المسيطرة بينهم هي العقلية البورجوازية، وخصوصاً الميركنتيلية (ج) وان البورجوازية في الاردن، وخصوصاً البورجوازية الصغيرة (التجارية والمهنية) هي ذات طابع فلسطيني غالب (وهي التي تشكل، بالمناسبة، جمهور الحركة الاسلامية) وتتركز القوى العاملة الفلسطينية في الاردن في انشطة القطاع الخاص وفي كل مستوياته، ابتداءً من الدكاكين وانتهاءً بمجالس ادارات الشركات الكبرى. وقد حققت الكتلة الفلسطينية، بسبب ذلك، مستوىً معيشياً اعلى من نظيرتها الاردنية، فلأن دخولها مفتوحة ومتعددة المصادر لم تتأثر جوهرياً، بتراجع سعر صرف الدينار. كذلك، فان سياسات الاصلاح الاقتصادي لا تضير اغلبية الفلسطينيين. وهي، على العكس، تعطي فئات عديدة منهم، مزايا جديدة، وهذا هو الاساس في ان الجمهور الفلسطيني في الاردن تحول من «المعارضة« الى «الموالاة« في اطار تصلب انتمائه، خصوصاً بعد اوسلو 1993، الى العصبية الفلسطينية.

ان سياسات الخصخصة الجاري تنفيذها بسرعة وعلى نطاق واسع وشامل من شأنها ان تزيد اكثر فاكثر حدة الانقسام الاجتماعي، الثقافي بين الكتلة الاردنية والكتلة الفلسطينية من حيث انها تضاعف تهميش الاولى وافقارها وتعزيز مكانة الثانية ودورها. وحين تترافق هذه السياسات مع سياسات التوطين (المدعومة اميركياً) والتي من شأنها مضاعفة الكتلة الفلسطينية عددياً، وزيادة نفوذها السياسي، نكون امام وضع تتوفر فيه كل عناصر الانفجار. ولكن هذه النتيحة المشؤومة ليست حتمية بالطبع، اذا ما توفرت الارادة النضالية المخلصة نحو ايجاد حل سلمي ديمقراطي للانقسام الاردنيالفلسطيني، على اساس برنامج وطني شعبي يقوم على الاسس التالية:

اولا: ً التوافق الوطني على اعتبار تنفيذ القرار(194) ذا اولوية وطنية، وفي هذا السياق لا بد من اطلاق الحرية لنشاط قوى العودة، وتحفيز هذا النشاط على كل صعيد، واعتماده كسياسة رسمية للدولة.

ثانياً: الاعلان رسمياً عن اعداد الفلسطينيين (غير الاردنيين) المقيمين في الأردن، وهؤلاء قسمان: احدهما يستطيع العودة الى فلسطين ويحتاج الى تحفيز معنوي واقتصادي، وثانيهما (مثل نازحي غزة) محرمون من حق العودة، ويحتاج الى طرح قضيته بقوة اقليمياً ودولياً، لتأمين عودته.

ثالثاً: حسم الموقف الاردني الرسمي فيما يتصل بالنازحين من ابناء الضفة الغربية المقيمين في الاردن.

رابعاً: الشروع باتخاذ الاجراءات الدستورية والقانونية وفقاً لقرار فك الارتباط للعام 1988.

خامساً: الاعتراف المتبادل بان الاردن ليس جزءاً من فلسطين او امتداداً للدولة الفلسطينية العتيدة، وان قسماً من الفلسطينيين سيظل، في النهاية جزءاً من الشعب الاردني بلا تمييز من اي نوع.

سادساً: الاعتراف بالاصالة التاريخية للكيان الاردني، وبأن كل اندماج وطني، ينبغي ان يخضع للاشتراطات الاجتماعية والسياسية والثقافية لهذا الكيان.

سابعاً: الاعتراف بالطابع الاجتماعي الاقتصادي للانقسام الاردنيالفلسطيني والنضال المشترك من اجل ابطاء الخصخصة ورفضها وتعزيز القطاع العام، واعادة تأهيله ديمقراطياً، واعادة تأهيل القوى العاملة الاردنية المرتبطة تاريخياً، بالقطاع العام، للاندماج بالعمليات الاقتصادية الحديثة، بما في ذلك توجيه الاستثمارات الاساسية نحو الريف، ووقف انتقال الاراضي الى البورجوازية، ودعم النشاطات الزراعية الفلاحية (لا الرأسمالية) على اسس سياسية، في اطار برنامج شامل لاعادة توزيع الثروة الوطنية على اسس العدالة الاجتماعية.

ثامناً: الاعتراف بالحقوق المكتسبة للمواطنين الاردنيين من اصل فلسطيني، في ظل الاعتراف بالسيادة الكاملة للشعب الاردني من حيث هو شعب واحد موحد ذو هوية وطنية ثقافية واحدة لا من حيث هو تجمع »من شتى المنابت والاصول».

على المستوى الخارجي:

تعتمد السلطة الفلسطينية سياسة التفافية ازاء عمان وهي تسعى الى تهميش الدور الاردني وتجاهل المصالح الاردنية علي غير صعيد:

فاستسلاماً منها للارادة الاميركيةالاسرائيلية في منع القسم الاساسي من اللاجئين الفلسطينيين، وخصوصاً المقيمين في الاردن من العودة الى ارض وطنهم، تركز السلطة الفلسطينية على استعادة لاجئي لبنان (وربما، في مرحلة لاحقة، لاجئي سورية) وذلك، اولاً، لان هؤلاء يتمتعون بوضع اللاجئين بخلاف لاجئي الاردن المتمتعين بوضع المواطنين.

وثانياً، لان هناك قبولاً اميركياً واسرائيلياً (من حيث المبدأ) بالتعامل مع مشكلة لاجئي لبنان وربما غيرهم (ولكن ليس لاجئي الاردن).

وثالثاً، لان وجود الفلسطينيين في الاردن، لا يمثل في الفكر الاستراتيجي لحركة فتح الحاكمة في السلطة الفلسطينية لجوءاً بل امتداداً للدولة الفلسطينية العتيدة، حيث من المأمول ان تجمع كونفدرالية تحت هيمنة هذه الحركة، اغلبية الشعب الفلسطيني وحيث الاردن هو «جزء من فلسطين» فان مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في الاردن هي غير مطروحة، ومن الحقائق الواقعية المرة في هذا السياق ان هناك توافقاً وانسجاماً سياسياً واستراتيجياً وروحياً بين الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل والسلطة الفلسطينية، في موقف مشترك من الاردن ولاجئيه.

ثم ان هنالك تناقضات حقيقية في المجالات الاقتصادية والنقدية كما في التنافس على حصص «المساعدات» الدولية الخ مما يحتاج الى مقال خاص.

وهناك تناقضات اخرى في كل المجالات الثنائية، فالدولة الفلسطينية العتيدة سوف «تأخد» «مجالها الحيوي» الوحيد المتاح (لانه الاضعف) وهو المجال الأردني، ولا ريب عندي ان السلطة الفلسطينية تفكر بالحاق الاردن في رد فعل تاريخي على الحاق عمان للضفة الغربية، وكأن كل علاقة بين الاردن وفلسطين محكومة بقدر الالحاق والصراع. ومع ذلك وبرغمه فان للاردن مصلحة حيوية في قيام الدويلة الفلسطينية في الضفة الغربية، لان البديل هو قيامها في الاردن نفسه.

واذا كنا اقترحنا على المستوى الداخلي، حواراً ديمقراطياً وحلاً سلمياً لمشكلات الانقسام الاردنيالفلسطيني فإنا على المستوى الخارجي نقترح التشدد والدفاع بدون وجل عن الدولة الاردنية ومصالحها فندعو الى:

اعلان سياسة اردنية واضحة وبدون اي التباس حيال الموقف من اساسيات الحل النهائي للقضية الفلسطينية، ولاسيما رفض التوطين، والكونفدرالية والفدرالية، وكل حل التفافي لا يضمن تنفيذ القرارات الدولية 242 و338 و194 بصورة امينة وشاملة.

الضغط العلني (المستند الى التحشيد الشعبي الداخلي والتنسيق الجدي مع سورية ولبنان) على الاطراف المتفاوضة (بما فيها الطرف الفلسطيني) من اجل ضمان عدم تجاهل مصالح الاردن او مصالح فلسطينيي الاردن خلال مفاوضات الحل النهائي.

كسر الحصار عن العراق، اعادة الالتحام الاقتصادي والسياسي مع هذا البلد الذي يمثل بحق عمقنا الاستراتيجي، لتأمين صمودنا الاقتصادي والسياسي في مجابهة التحديات المقبلة.

تجميد العلاقات الثنائية مع اسرائيل على كل صعيد، وربط الموقف الاردني من العملية السلمية، جذرياً بعودة اللاجئين والنازحين الى ارض وطنهم، ووقف التعدي على المصالح الاردنية.

وقف العلاقات (غير الصريحة) مع السلطة الفلسطينية الى ان تتخذ موقفاً ايجابياً وواضحاً وعلنياً من التنسيق الاردنيالفلسطيني وعلى اساس الحفاظ على المصالح الوطنية للطرفين.0

Posted in Articles.