أفكار… للنقاش في لقاءات العيد السعيدحكومة الفايز أمام الاستحقاقات الأساسية

العرب اليوم
ناهض حتّر
كرس رئيس الوزراء فيصل الفايز، الشهر الاول من رئاسته، للقاء مع الفعاليات السياسية والاعلامية والثقافية، وما يزال ينقصه، بالطبع، ان يزور المحافظات، الا انني احسب انه استمع، حتى الان، الى طيف واسع من الآراء والرؤى والاجتهادات. وهي تعكس، في النهاية، التكوينات السياسية والثقافية والمصالح المختلفة في البلاد.
«والفعاليات»، بلا شك، متفائلة بأن رئيس السلطة التنفيذية قد سعى اليها واستمع الى وجهات نظرها. ولكنها ستكون اكثر احباطا من ذي قبل، اذا انتهى كل ذلك الى لا شيء وانا ما زلت اعتقد ان فيصل الفايز رئيس قوي من حيث مكانته الشخصية ونزاهته وقد اعطته لقاءاته الايجابية مع الفعاليات، المزيد من القوة. وهو يستطيع ان يستخدم هذه القوة في تحديد خط خاص به يكون معبرا عن نقطة تلاقي المصالح والرؤى، ساعيا الى تمثيل نهج التفاهم الوطني، وهو ما يتطلب، بالطبع، تعديل برامج الحكومة وضبط ايقاعها.
غير ان المؤشرات الفعلية الاولية، للاسف، تعطي انطباعا معاكسا. فالاعلان مسبقا عن حدود ضيقة لاصلاح قانون الانتخابات العامة -على سبيل المثال -يفرغ الحوار الوطني المزمع اجراؤه من المعنى، بل ويلقي بظلال الشك على ضرورة انشاء وزارة التنمية السياسية. وقد كان تشكيلة مجلس الاعيان احباطا آخر، اذ جرى استبعاد المعارضين منها كليا، بما في ذلك المعارضة المنضبطة الموالية المتمثلة في الرئيسين احمد عبيدات وطاهر المصري أو لو جرى تخصيص 10 بالمئة فقط من مقاعد الاعيان، لشخصيات وازنة معروفة بالتزامها الحزبي او باتجاهاتها السياسية المعارضة للنهج الحكومي، لكان، في ذلك، اشارة سارة الى اننا نسير حقا باتجاه الاصلاح السياسي ولكن ذلك لم يحدث.
كذلك اعلن وزير التخطيط، د. باسم عوض الله، عن خطة اقتصادية، ظهر انها غير جدية، عداك عن كونها لا تأخذ بالاعتبار وجهات النظر الاخرى.
ومن جهته اعلن نائب رئيس الوزراء، د. محمد الحلايقة، ان الحكومة ملتزمة بالتعهدات المقطوعة الى صندوق النقد الدولي. وعلى الرغم من ان وزير المالية، د. محمد ابو حمور، قال بالعكس، بأن هناك خيارات اخرى، لتلافي رفع اسعار المشتقات النفطية، الا ان الحكومة تبدو مصممة على تحميل الشعب فاتورة خسارة المنحة النفطية العراقية، وغيرها من المصاعب الاقتصادية الناشئة عن الحرب الاميركية على العراق.
وانا ادهش، هنا، ازاء الحاح النهج الحكومي على مساندة المشروع الاميركي في العراق، بما في ذلك التضحية بالمصالح الاستراتيجية الاردنية في البلد الجار، حتى من دون ثمن مواز.
واذا كان الاتجاه، كما فهمنا من ابو حمور، هو لاستخدام عوائد الخصخصة لشراء جزء من المديونية العامة، فنحن نفضل ذلك، بالطبع، على هدر تلك العوائد في الانفاق الرأسمالي الاعتيادي، ولكن هذا الاتجاه ليس هو البديل الافضل. فالحكمة الاقتصادية تقتقضي «تعقيم» هذه الاموال في استثمارات جديدة. وقد اقترحنا، مرارا، انه يمكن تحقيق الهدفين معا عن طريق انشاء مؤسسة مالية مستقلة تحشد عوائد الخصخصة واموال اخرى من البنوك والمساهمين الوطنيين، بهدف القيام بالاستثمارات ومعالجة استحقاقات المديونية الخارجية معا على اسس تجارية وشفافة وفنية.
ان الرؤية الحكومية المتوارثة لادارة الاقتصاد الوطني، ليست بقرة مقدسة، ولا بد من مراجعتها. وبصورة خاصة، التوقف عند هذا الحد من الخصخصة ومراجعة الموقف كله، قبل بيع الفوسفات، وتسليم ادارة ميناء العقبة مثلا الى شركة عالمية.
واشير هنا الى ان الفكرة الاخيرة هي مثال واضح على ان الاسلوب الكمبرادوري هو معاد للتنمية.
فاستيراد ادارة اجنبية لمينائها الوحيد يحرمنا من عوائد مهمة ويحرم الاردنيين من تنمية قدراتهم الادارية والفنية، وهو ما يطرح، بالحاح، ضرورة مراجعة حزمة القوانين المؤقتة الكمبرادورية ومنها-مثلا -قانون التعليم العالي الذي يسمح بانشاء فروع للجامعات الاجنبية معفاة من الشروط والالتزامات المفروضة على الجامعات المحلية. وهذه -لمن يسأل -هي الكمبرادورية بعينها اي تفضيل المصالح الاجنبية على المصالح المحلية.
ان فئة واسعة من الاردنيين قلقه بالفعل ازاء التسريبات حول تعديلات غير شعبية في قانون الضمان الاجتماعي. فما هو الاتجاه الحكومي بهذا الصدد. أليست الاولوية هي لاصلاح مؤسسة الضمان الاجتماعي من حيث تحويلها الى هيئة ديمقراطية شفافة ومستقلة، وخاضعة للاشراف من قبل ممثلي المستفيدين!!
على كل حال، نحسب، ان التحدي الاكبر الذي يواجه رئيس الوزراء فيصل الفايز، هو بلورة خط ابداعي يوائم ما بين الضرورات الفنية والالتزامات الخارجية والمصالح المحلية، وبصورة خاصة (أ) مصالح المزارعين والصناعيين وحقهم في توفير نوع من الحماية الفعالة ضد المنافسة الاجنبية التي من شأنها، في النهاية، تدمير الانتاج الوطني (ب) مصالح الاغلبية الشعبية ووقف انهيار مستواها المعيشي.
***
على صعيد آخر يواصل وزير الخارجية د. مروان المعشر، تقديم الدعم اللامشروط لاتفاقية سويسرا التي تشطب حق العودة وفقا للقرار الدولي 194. فإذا كان اتجاه الحكومة هو الى التخلي عن هذا القرار، فاننا نصبح امام لحظة مفصلية من حياتنا الوطنية تتطلب العودة الى استفتاء الشعب الاردني وهذه قصة كبيرة لا يمكن الالتفاف عليها. ولا بد من مواجهتها الان، لانها ستتحول، لاحقا، الى لغم سياسي.
***
وبالمحصلة، يظهر ان النهج الحكومي هو نفسه، بل ان ايدي الوزراء تم اطلاقها من دون ضوابط وهو ما يجعل الحكومة تبدو مفككة. وكل وزير مسؤول عن قطاعه وتصريحاته، علما بأن مسؤولية الحكومة جماعية. وللحكومة عنوان هو الذي يتحمل، في النهاية، المسؤولية السياسية عن قرارات واتجاهات وتصريحات حكومته. وهذا العنوان هو رئيس الوزراء وبالتالي، فالرئيس فيصل الفايز امام استحقاق تكوين خطه الخاص وضبط ايقاع حكومته. ونحن ننتظر منه، خلوة مع نفسه واقرب مستشاريه، لتحديد هذا الخط واعلانه في البيان الوزاري، الذي نأمل ان يكون خلوا من الانشاء ولا يزيد عن ثلاث صفحات تحدد المواقف الرئيسية بدقة وصراحة. فالحكومة الاردنية الجديدة لا تحتاج، فقط، الى ثقة المجلس النيابي السهلة، بل الى ثقة الشعب… الصعبة.
***
وتبقى لدي ملاحظتان:
تتعلق الاولى بالوزير اسمى خضر وليس لدي اي اعتراض شخصي على توزيرها… ولكن ليس لمهمة «الناطق الرسمي» الذي من صفاته الا يكون شخصية جدالية وان يتمتع بالخبرة الاعلامية والبلاغة والقدرة على الدفاع عن سياسات الحكومة وتبريرها، لا ان يجلب الحكومة الى الدفاع عنه. لقد فشلت الوزير خضر بسرعة مدهشة، في مهمتها كناطق رسمي، وذلك لانها غير مؤهلة للقيام بهذه المهمة بالذات.
ان دفاع الزميل فهد الفانك عن الوزير خضر، ليس له معنى . فكون ان كل دينار تنفقه الحكومة الاردنية يتضمن 24 او 30 قرشا من التمويل الاجنبي هو اولا، محصلة فشل السياسات الاقتصادية الرسمية لعدة عقود، وهو ثانيا، يهمل الفارق الاساسي بين التمويل الاجنبي الذي تحصل عليه الحكومة بوصفها هيئة سيادة… وهذا حق مشروع للدول والحكومات السيدة… وبين التمويل الاجنبي الذي تحصل عليه هيئات خاصة او مواطنون، مباشرة، من الجهات الاجنبية فهذه الهيئات ليست ذات سيادة، وليس لها بالتالي الحق في الحصول مباشرة على التمويل الاجنبي الذي ينشئ آليات كمبرادورية سياسية مدمرة لسيادة الدولة الوطنية، ويفتح المجتمع المحلي على تأثيرات الدول الاجنبية والهيئات الدولية من دون اية ضوابط سيادية. وعلى كل حال فإنه ليس من مهمة الناطق الاعلامي للحكومة ان يفتح الباب امام نقاشات خاصة، بل مهمته اغلاقها!
والملاحظة الثانية تتعلق بقضية معان!
سأل احد مواطني معان في برنامج «مثلث الحوار» على التلفزيون الاردني: أين هي الاسلحة غير التقليدية ومصانع السلاح والتنظيمات السلفية في معان؟ وهي التي اعلنت الحكومة السابقة، رسميا، عن وجودها في هذه المدينة لكي تبرر مداهمتها بالقوة العسكرية.
اغدو ممتنا-مع اهالي معان -اذا تفضلت حكومة الفايز وشكلت لجنة تحقيق بالامر لاعلان الحقيقة. فإعلان الحقيقة هو اساس المصالحة. وهذه الاخيرة لن تمشي الى الامام من دون اطلاق سراح معتقلي معان، وطيّ الملف الامني كليا.0

Posted in Uncategorized.