السياحة الأردنية من الفشل الحتمي إلى الاستراتيجية البديلةلماذا لا يقر الوزير «الدائم» بمسؤوليته عن الانهيار

ناهض حتّر
يعترف وزير السياحة الاردني «الدائم»، عقل بلتاجي بالتدني المريع في حجم السياحة الاجنبية الى بلدنا. ويقدم التبرير: انفجار المسار الفلسطيني-ويقترح خطة انقاذ: استقدام السياحة الخليجية. وكأن معالي الوزير غير مسؤول، مهنياً وسياسياً، عن انهيار السياحة الاردنية، وهدر الكثير من الاموال العزيزة على استعدادات وبرامج ترويج انتهت الى لا شيء. صحيح ان البلتاجي غير مسؤول عن عدوانية اسرائيل والرد الفلسطيني بالانتفاضة -ما ادى الى الغاء الحجوزات الغربية او معظمها -ولكنه مسؤول مباشرة عن الاستراتيجية السياحية الاردنية التي انطلقت من الثقة «بالجار الاسرائيلي المسالم»، وبالتنسيق السياحي معه، وترويج المنتج السياحي الاردني بالارتباط مع المنتج السياحي الاسرائيلي والفلسطيني، في تجاهل كامل لاحتمالات الانفجار في المنطقة، وإحجام الغربيين بالتالي عن المغامرة بالمجيء اليها.
لم يصغ الوزير البلتاجي، ابداً، لنصائح الخبراء او لتحذيرات المعارضة، وظل تركيزه منصباً على اسرائيل والغرب، ضارباً عرض الحائط بخطورة تأسيس الاستراتيجية السياحية الاردنية على رمال سياسية متحركة، ومتناسياً الحقيقة التجارية البسيطة القائلة بضرورة تنويع الجمهور المستهدف بالترويج.
*فبمناسبة سنة اليوبيل المسيحية، لم تقم أي استعدادات، ولم تبذل اي جهود ترويجية لاستقدام السياحة المسيحية العربية من سورية ولبنان ومصر. وليس صحيحاً انه ليس في هذه البلدان قوة شرائية للسياحة الأردنية. فمن جهة، هناك فئات مسيحية عربية برجوازية قادرة على الانفاق اكثر من المجموعات السياحية الغربية، ومن جهة اخرى، كان يمكن، وما يزال، تهيئة خدمات مناسبة لسياحة دينية شعبية. وفي الحالتين، جرى تجاهل السوق العربي في الترويج للمنتج السياحي المسيحي الأردني.
*وفي السياق نفسه، لم تخطط وزارة السياحة او تروج لاستقدام السياحة الدينية الشيعية من لبنان وايران، نفسه، بينما يضم بلدنا في جنباته مقامات شيعية مكرمة لا بد من وضعها في اطار خدمة سياحية متكاملة، تأخذ بعين الاعتبار، حاجات وامكانات الجمهور المستهدف.
اما السياحة الخليجية «التي يكتشفها الوزير البلتاجي من برج الحكمة بأثر رجعي!» فماذا فعلت وزارة السياحة لاستقدامها. وهل يكفي تحويل برامج الترويج الى الفضائيات والصحف الخليجية، لاستقدام الخليجيين الى بلدنا؟!
ومع رفضنا المسبق والمبدئي لنوع معين من السياحة الخليجية التي لا نملك ولا نريد ان نملك مقوماتها وادواتها، فإن استقدام سياحة ابناء الطبقات الوسطى الخليجية الى الاردن، ممكن، سوى انه يحتاج الى مقومات وبرامج خاصة، لم نقم بها ولم ندرسها، كما انه يحتاج الى تنسيق سياحي مع سورية ولبنان ما يزال بعيداً عن العقل السياحي المتأسرل في بلدنا!
لا ينفع العليق عند الغارة، وجهود الانقاذ السريع للموسم السياحي الراهن، ليس لها معنى. والاجدر بوزير السياحة الذي صاغ الاستراتيجية السياحية الاردنية المنهارة، ان يقدم استقالته بدلا ًمن ان يعلق فشله على احداث سياسية لم يتوقعها، ويقفز الى اقتراحات كان يهزأ بها، ولا يأخذها في حساباته!
أس البلاء والسبب الرئيسي في انهيار كل خططنا -السياحية وغيرها -هو اننا نخطط على اساس ان العملية السلمية قائمة ومستمرة… وعند اكثر المتشائمين قادمة لا محالة، مما يجعلنا مكشوفين دائماً امام المؤثرات الخارجة عن ارادتنا وحدودنا. وقد اصبح ضرورياً ان نهجر هذه السذاجة، وأن نبني كل توقعاتنا على اساس ان الصراع العربي-الاسرائيلي مستمر الى ما شاء الله، وانه قابل للانفجار، على هذه الجبهة او تلك، بين لحظة واخرى… وان السياسة الاردنية اذا كانت قررت بناء شراكة دائمة مع اسرائيل، فان الاردن ليس سوى طرف من اطراف الصراع، وهو لا يحدد مساراته واحتمالاته وانفجاراته؛ ولذلك، فإن الحكمة تقتضي التخطيط لشؤوننا انطلاقا من هذه الحقيقة، وهي ان «السلام» هو وهم وليس واقعاً او حتى احتمالاً واقعياً.
فإذا وضعنا الاوهام جانباً، امكننا-عندها-ان نبني استراتيجية سياحية قادرة على تطوير هذا القطاع الاقتصادي الحيوي، تنطلق، واقعياً، مما يلي:
*التركيز، من حيث الاستعدادات والخدمات واسعارها، على السياحة الاردنية بالدرجة الاولى. ونحن نقصد، هنا، «أ» السياحة الداخلية «ب» سياحة المغتربين. ولا بد لهاتين السياحتين من برامج خاصة وجهود ترويجية كثيفة تقنع الاردنيين، في الوطن والمهجر، بإنفاق نقودهم في بلدهم. وهو ما يتطلب ابداع منتجات وخدمات سياحية راقية وممتعة وبأسعار معقولة؛ سيما اننا وصلنا الى وضع غير عقلاني يستطيع فيه الاردني قضاء اجازته في شرم الشيخ او في سورية… بمتعة اكبر وكلفة اقل، مما هو متاح في الاردن. وسياحة المغتربين، ربما لا تخضع للمقارنة السعرية، ولكن استقدامها-وخصوصاً من الولايات المتحدة الاميركية -يحتاج الى رؤية ابداعية وجهود ميدانية لم نبذل في سبيلهما خطوة واحدة.
فإذا نجحنا في تطوير السياحة الاردنية للمقيمين والمغتربين، فسنكون قد امتلكنا -عندها -الشروط الملائمة لاستقدام سياحة الطبقات الوسطى العربية من البلدان العربية ومن بلدان الاغتراب. بالاضافة الى ما ذكرناه حول الامكانية الخصبة لترويج وبيع المنتجات السياحية الدينية، المسيحية والشيعية، في سورية ولبنان وايران.
*وفي موازاة تأمين هذه القاعدة الثابتة من السياحة الاردنية والعربية، ينبغي عدم اهمال السياحة الاجنبية، ولكن بدون التركيز، فقط، على الغرب. ففي روسيا وبلدان الكتلة السوفياتية السابقة، واميركا اللاتينية، ومناطق اخرى في العالم، طبقات وسطى يمكن استقدام سياحتها الى بلدنا، بمؤثرات ثقافية ودينية، على ان لا تكون عمان، والحالة هذه، اكثر كلفة من باريس!
وتبدأ هذه المقترحات -وسواها الكثير -بطبيعة الحال، من مبادئ اساسية هي:
– فك الارتباط التنسيقي والترويجي مع المنتج السياحي الاسرائيلي (والفلسطيني طالما هو خاضع للاحتلال او متأثر به).
– تقديم صورة مستقلة للمنتج السياحي الاردني لا تشتمل على اي منتج سياحي اخر.
– التنسيق، في برامج محددة، مع سورية ولبنان (وليس مع اسرائيل او مصر) لأن المنتج السياحي الاردني (البحر الاحمر، البجر الميت، الصحراء…) هو في وضع منافسة مع المنتج الاسرائيلي والمصري المشابهين، ولكنه في وضع تكاملي مع المنتج السياحي السوري اللبناني (البحر الابيض المتوسط…).
ولا نريد، في هذه العجالة، ولا نستطيع ان نحدد كل ملامح الاستراتيجية السياحية الاردنية البديلة، لكننا، حسب، نشير الى خطوطها العامة، آملين اننا نفتح، بذلك، باب الحوار بين المعنيين والخبراء والمثقفين، وصولاً الى تلك الاستراتيجية البديلة والفعالة. وربما يكون هذا الحوار مقدمة لخطوة جريئة تتخذها حكومة المهندس علي ابو الراغب، بالاعتراف بأخطاء الماضي، والاقرار بالفشل في القطاع السياحي، والاصغاء الجاد… للرأي الاخر.

Posted in Uncategorized.