عشر حكومات في اثنتي عشرة سنةليست حكومة أبو الراغب وحدها!!

شيحان

ناهض حتّر
طويت صفحة الكلام على التعديل او التغيير الوزاريين. وهو ما يتيح بدلا من الغرق في التفاصيل والاسماء والمواعيد، استبصار الحقيقة الباقية في الصمت الذهبي… وهي ان حكومة المهندس علي ابو الراغب -والتي لم تختم بعد سنتها الاولى في الحكم– قد فقدت اندفاعاتها السياسية، وتراجعت الآمال المعقودة عليها، واصبح ما ينتظره الناس منها ليس ما يلي من برامجها او قراراتها بل رحيلها المعجل او المؤجل.
واذا اردنا الانصاف فان حال حكومة ابو الراغب ليس سوى تكرار لحال حكومات اصحاب الدولة منذ استقرار «التحول الديمقراطي» اي خلال الاثنتي عشرة سنة الاخيرة التي شهدت قيام عشر حكومات اردنية، وسقوطها. (وهي بالترتيب حكومات مضر بدران، طاهر المصري، زيد بن شاكر، عبدالسلام المجالي، زيد بن شاكر، عبدالكريم الكباريتي، عبدالسلام المجالي، فايز الطراونة، عبد الرؤوف الروابدة، علي ابو الراغب).
ان الملك – وفقا للدستور الاردني -هو الذي يشكل الحكومات التي يتوجب عليها -بعدئذ -ان تحصل على ثقة المجلس النيابي، وهو الذي يقبل استقالتها. ان هذا الترتيب-بالرغم من ان له طابعا نظريا في الغالب– يحدد فى النهاية جزءا من ملامح الحكومات، جنبا الى جنب مع الوضع الدولي والاقليمي والضغوط الخارجية وموازين القوى المحلية والاعتبارات والأعراف… ما يجعلنا نبحث في ازمة الحكم بوصفها ازمة موضوعية لا يكفي التدخل الملكي لحلها.
وقد يعزو البعض نشوء ازمة الحكم الى ضغوط الرأي العام الذي اصبح اكثر قوة منذ العام ]1989[ كما الى شروط اللعبة السياسية في ظل البرلمانية. وقد يكون هذا وذاك. الا ان العامل الاول «ضغوط الرأي العام» كان شغالا قبل ربيع الجنوب، بل ربما كان من المفارقات التي تحتاج الى قراءة متفحصة، ان قوة الرأى العام في الاردن تراجعت بعد التحول الديمقراطي عما كانت عليه قبله! واذا كانت اللعبة البرلمانية معطلة في السبعينيات والثمانينيات فان حيوية «مدارس» النخبة السياسة الحاكمة كانت تسد مسدها. وهذا لا يعني ان هذين العقدين لم يشهدا بذور ومظاهر ازمة الحكم بالعكس فان اسلوب الحكم خلالهما وصل الى افق مسدودة اواخر الثمانينيات ما استدعى العودة الى البرلمانية. ومع ذلك عرف العقدان المنوه عنهما حكومات قوية «زيد الرفاعي ومضر بدران» وتجارب اصلاحية مبكرة -على قصر عمرها-تمثلت في حكومتي الراحل عبدالحميد شرف واحمد عبيدات، وهو ما يبرر التفاتنا الى ازمة الحكم منذ مطلع التسعينيات، وليس قبل ذلك.
***
ولكن ما هي ازمة الحكم؟
انها الازمة الناجمة عن عدم توفر النخبة السياسية على شخصيات قيادية لها رؤى متماسكة وثابتة «نسبيا» ونفوذ محلي وصلات محلية وخارجية، تقود وتتشكل منها «وتحمل معها» الفرق الحكومية المتجانسة «على الاقل من حيث برامجها العامة» والقادرة على استيعاب التكنوقراطيين «والمؤلفة قلوبهم» في بنائها السياسي الكلي، ما يجعلها تستند، في النهاية، الى معادلات اجتماعية وسياسية «محلية واقليمية ودولية» وبنائية، تؤهلها للحكم وقتا كافيا لتنفيذ الاجزاء الاساسية من برامجها، وهو ما يكفل لها تاليا تعزيز مواقعها الاجتماعية والسياسية خارج الحكم.
بهذا التعريف الموجز-اذا كان صحيحا-نضع ايدينا على السبب الاول في نشوء «ازمة الحكم» في الاردن. فالنخبة السياسية الاردنية لم تكن منذ تأسيس الدولة بهذا الضعف الاجتماعي والركاكة الثقافية والتفكك واللهاث وراء تحقيق اجندات خاصة وشخصية. وهذا يشمل في آن معا نخبة الحكم ونخبة المعارضة. وقد جرت محاولات لتطعيم هذه النخبة بشخصيات من القطاعين الاكاديمي والخاص… ما اسهم بالعكس في تفاقم المشكلة، فالاساتذة الجامعيون او رجال الاعمال او مديرو المؤسسات المالية ليسوا من حيث التكوين السسيوثقافي والسيكولوجي، رجال دولة ولا يمكن ان يصبحوا كذلك بقرار. فهؤلاء سيظلون مفتقرين الى القواعد الاجتماعية والصلات السياسة والحساسية ازاء شؤون الدولة باعتبارها معطى كليا متجاوزا.
كذلك، استقدمت الى صفوف نخبة الحكم، عناصر من المعارضة السياسية او النقابية او من المحسوبين عليهما. وهذه العناصر تفشل حكما في تمثّل سمت رجال الدولة، اولا لانها تأتي الى الحكم وقد «وجراء» قطع صلاتها مع قواعدها الاجتماعية والسياسية فهي اذن تجيء الى المنصب الحكومي مفرغة من المضمون الاساسي الذي يشكّل رجل الدولة -اي تمتعه بصلات اجتماعية وسياسية ثابتة تحدد برنامجه واداءه داخل الحكم وخارجه (انظر مثلا تجارب وصفى التل، زيد الرفاعي، مضر بدران) وثانيا لانها تفشل بحكم تاريخها السابق في تكوين حضور حقيقي في نادي الحكم نفسه.
***
واذا كنا نلاحظ ان الفرق الحكومية في العقد الاخير، تأتي الى الحكم لتنفيذ مهمة اجرائية واحدة فى اطار ادارة الازمة العامة او استجابة لهذا الضغط «المحلى او الاجنبي» او ذاك، فقد صاغت هذه المهمات الحكومية المفردة، النخبة السياسية الاردنية على صورتها ومثالها. فهذه الشخصية «ومجموعتها» صالحة للتوقيع على معاهدة السلام مع اسرائيل، وتلك لتنفيذ اجراءات مضادة للعراق «في سياق ضغوط اجنبية» وتلك من اجل تمرير هذا الظرف السياسي-النفسي او ذاك، وغيرها من اجل تنفيذ اجندة اقتصادية محددة. وبكلمة فان الطبيعة التكتيكية لادارة الازمة «بعكس استراتيجية مواجهتها» تخلق فرقا حكومية تكتيكية. وهذه لا تصلح خارج التكتيك المعين القصير العمر عادة. وهذا الجدل بين المهمات الحكومية التكتيكية وتكوين عناصر النخبة الجاهزة للقيام بها هو الذي يستهلك الحكومات من جهه، ويطرد عناصر الاستراتيجية من النخبة السياسية والسياسة.
***
يواجه الاردن في الحقيقة لا ازمات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية منفصلة «او يمكن الفصل بينها» بل ازمة عامة شاملة تحتاج الى مواجهة استراتيجية من قبل نخبة سياسية متماسكة مثقفة شديدة الارتباط بقواعدها الاجتماعية وواقعها السياسي الميداني، بدون ان تتخلى لحظة واحدة عن افقها الاستراتيجي. فهل ان عناصر نخبة كهذه موجودة في البلاد؟ نعم. بالتأكيد. سوى ان الآتين الآن الى النخبة السياسية والادارية هم من فئة اخرى انموذجها «المستشرق»-من درجة متواضعة-الدارس في جامعات الولايات المتحدة والمقيم فيها حتى لحظة احضاره «خبيرا» الى بلد [5 [العالمثالثي الفقير تزين اصابعه الخواتم، ويده الاسوارة… ومثاله الاعلى في الحياة: المرقص الاميركي!

Posted in Uncategorized.