الأردن: خيارات مكلفة في منعطف خطر

العرب اليوم

شؤون أردنية
ناهض حتّر
لا يضعفنا الاعتراف بان الاردن يواجه منعطفاً صعباً للغاية، بل يقوينا، طالما انه يحفزنا على اكتشاف عناصر الصمود فينا ولدينا، ويدفعنا نحو الاجماع الوطني على العقلانية والمقاومة، لكي نتجاوز المحنة. وهي، بالفعل، محنة؛ لان عمان تواجه جملة من الضغوط الحادة والمصاعب والخيارات المكلفة.
هناك، اولاً الضغط الاميركي لإرغام الاردن على الامتثال “للعقوبات الذكية” ضد العراق، وتتخذ حكومة المهندس علي ابو الراغب حتى الان، موقفاً صلباً ازاء هذا الضغط، يساعدها، في ذلك، ان “العقوبات الذكية” ما تزال مشروعاً اميركياً، ولم تصبح بعد، قراراً دولياً. فاذا نجحت واشنطن في الحصول على هذا القرار، فهي ستكشف عن انيابها، وستسعى الى ايذائنا، وينبغي ان نتحسب ونحذر ونستعد، ولكن لا ينبغي ان نهلع. ففي المحصلة الاخيرة، لا يوجد لدى الولايات المتحدة الاميركية بديل استراتيجي عن التعامل مع الاردن وفق شروطه، اي آخذة بعين الاعتبار مصالحه.
وقد تتراجع نخبة الحكم، فتخلي حكومة ابو الراغب-ورأسمالها الاساسي هو صداقتها ببغداد-موقعها، لصالح فريق حكومي معاد للشريك الاقتصادي الاول للاردن. وهذا الفريق موجود وجاهز ويمثل تياراً يزين التصعيد ضد العراق، ويهون من آثار قراره بمعاقبة الذين يمتثلون “للعقوبات الذكية”. ونحن نأمل الا ينتصر هذا التيار، ليس فقط لان فك الارتباط الاستراتيجي مع العراق، سوف يضع الاردن في مهاوي الانهيار الاقتصادي، ولكن، ايضاً، لانه سوف يفجر الوضع الداخلي، مثلما حدث في آب 1996، ثم انه سوف يلجئنا الى الخضوع المؤلم للخيار النفطي الخليجي، ويجعلنا سجناء المساعدات الاميركية المشروطة، قبل كل شيء، بركوعنا امام تل ابيب، وقبولنا بمشروعها للوطن البديل.
الحفاظ على العلاقات الاردنية-العراقية، وتطويرها، والدفاع عنها-مهما كان الثمن غالياً-يظل اقل كلفة، اقتصادياً وسياسياً وامنياً، من تخريب تلك العلاقات، اتقاء للعدوانية الاميركية او تجاوباً معها. ولا بد من التنبيه، هنا، الا ان الاصطفاف ضد العراق، لا يعني بالنسبة للاردن، الان مجرد الخسارة الاقتصادية-وخصوصاً النفطية-التي لا يمكن تعويضها، فقط، بل خسارة الاجماع الوطني، والامن والاستقرار، والحرية النسبية للقرار السياسي، ما يجعلنا فريسة للمشروع الشاروني، والمشروع الشاروني يمثل جبهة الضغط الثانية التي يواجهها الاردن. وهذا المشروع ليس مستقبلياً، بل هو حاضر وشغال ويحظى، اليوم، بنوع من الاجماع الاسرائيلي، يجعله في صلب الاستراتيجية الاسرائيلية حتى لو سقطت الحكومة الشارونية. فبعد ان ابتلعت تل ابيب كل جوائز “العملية السلمية”، طوال عقد التسعينات، وصار مطلوباً منها تسديد فواتير الحد الادنى على المسار الفلسطيني الصعب، انقسمت على نفسها، ووصلت مع ايهود باراك، الى حالة الشلل السياسي، قبل ان تعيد اكتشاف الشارونية، ثم تتبناها بوصفها استراتيجية اجماع، تقوم على نقل القضية الفلسطينية الى شرق النهر، سكانياً وسياسياً وامنياً.
ان سياسات تفريغ الاراضي الفلسطينية المحتلة من مُواطنيها، لا تستهدف فقط خفض مستوى التوتر الديمغرافي في الضفة الغربية، بل تحطيم القوى القادرة على تأسيس الكيان الفلسطيني، وتدمير حلم الدولة، وامكانياتها، ونقل المشكلة برمتها الى الاردن.
وقد تطلب الامر ان تصل المهاجرة الفلسطينية من الاراضي المحتلة الى الاردن، حدا خطيراً، قبل ان تتخذ وزارة الداخلية-متأخرة ولكن قبل فوات الاوان -بعض الاجراءات الخجولة لخفض مستوى الترانسفير المتعدد الاشكال الذي داهم الاردن خلال الاشهر الماضية من سياسات القمع الهمجي والحصار والتجويع وانعدام الامن الشخصي وسوى ذلك من المصاعب التي عاشها المواطنون الفلسطينيون تحت الاحتلال، وقد واجهت اتجاهات اساسية في السلطة الفلسطينية، للأسف، الاجراءات الاردنية الخجولة، بضغوط مضادة، تأميناً لمصالح الاوساط البرجوازية في مناطق السلطة، حتى لو كان تأمين هذه المصالح على حساب فلسطين والاردن.
السلطة الفلسطينية، اذن، تمثل هي الاخرى عاملاً ضاغطاً على عمان. وهي لا تأخذ في صلب سياساتها، اي اعتبار للمصالح الوطنية الاردنية، بل ولا تريد ان يكون للاردن اي حضور او دور او مكانة على المستوى الاقليمي، عداك عن انها تنظر الى الاردن كساحة خلفية، مستقوية بقدرتها الوهمية على اللعب بالامن الوطني الاردني.
من جهتها توصلت حركة المقاومة الاسلامية (حماس) الى الاستنتاج بان الاردن في وضع صعب، فارادت استغلال هذا الوضع حتى النهاية، بمحاولة فرض ارادتها على الحكومة الاردنية، واجبارها، عنوة على استقبال قيادات (حماس) في عمان… وهو ما يعني، استراتجياً، تمكين (حماس) من التَموضع السياسي (ولاحقا ًالأمني) في الاردن، في اشارة اساسية لبدء حالة الفوضى في البلاد. فـ (حماس) الان ولشديد الاسف، تحولت الى اداة بيد القوى الضاغطة على الجدار الاردني الضعيف، معتقدة انها تستطيع كسره لايجاد قاعدة لها في عمان، توازي قاعدة “فتح” في غزة، فتكون بذلك طرفاً اساسياً في اي مفاوضات مقبلة.
وتتخذ الحكومة الاردنية، عن حق، موقفاً حاسماً-حتى الان-من اللعبة الحماسية. ونرجو انها لن تخضع للضغوط العربية والداخلية التي تشغلها قوى غير مسؤولة، بعضها يصب-عن علم وتصميم -في مشروع “الوطن البديل” وبعضها يمارس معارضة معادية للدولة الاردنية، فتكون، بذلك شاءت ام ابت، في المعسكر الشاروني.
***
… وبينما تتسع الهجمة الضارية على الاردن، بمشاركة قوى دولية واقليمية وعربية ومحلية، يبرز الدور الضروري للمعارضة الوطنية الديمقراطية في التأسيس للاجماع الوطني القائم على عقلانية تنبذ الديموغوجيات، والاجندات غير الاردنية، وتأخذ موازين القوى بعين الاعتبار، انطلاقاً من الاولوية المطلقة للمصالح الوطنية الاردنية؛ وتقوم في الوقت نفسه على تحفيز ارادة المقاومة التي تستلهم الثقة بامكانيات الوطن وقدرات الشعب، وتنبذ، جانباً، اوهام المُتأمركين المتسللين الى القرار الوطني، ينخرون في العمق، اساسات الدولة، لخدمة المصالح الضيقة.0

Posted in Uncategorized.