باراك الى الاكتفاء بالـ 80 بالمئة… ولكنفلسطين: الاستقلال يبدأ بالانفصال عن اللعبة الاسرائيلية

العرب اليوم
ناهض حتّر
يحتاج رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك، الآن الى تحقيق انجازين متلازمين: وقف انتفاضة الاقصى، والتوصل مع السلطة الفلسطينية الى «اتفاق نهائي»، لكي يذهب، تالياً، الى الانتخابات وفي يده نجاحات امنية وسياسية معاً، ترضي جمهور حزب العمل، اليهود والعرب.
وهو، لذلك، يصعد امنياً ضد الجماهير الفلسطينية، وينخرط، في الوقت نفسه، في مفاوضات سرية مع القيادة الفلسطينية، لتحقيق اختراق نوعي عاجل في «العملية السلمية».
ومن المرجح ان تفشل كل خطط باراك الامنية، مهما تشددت وعنفت، فالانتفاضات الشعبية لا تخمد بالقوة وانما بالسياسة، وفي السياسة، يستطيع باراك اذا ما حزم امره ان يتوصل الى نجاح جدي. فالاتفاق النهائي على المسار الفلسطيني، جاهز تقريباً منذ كامب ديفيد، ولم يتبق لعقده سوى التفاهم على نقاط قليلة، بعضها تفصيلي «من مثل عدد اللاجئين الذين ستسمح اسرائيل بعودتهم الى اراضي الـ48… و هل هم مئة الف يعودون في عشر سنوات كما تريد، ام اكثر، ويعودون في وقت اقل، بما يكفى لاستيعاب قسم رئيسي من لاجئي لبنان، كما يريد الجانب الفلسطيني؟ وبعضها تعجيزي «من مثل الطلب الى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، التنازل عن السيادة على المسجد الاقصى، وهو مالا يستطيعه عرفات، لان الامر، اصلاً، يتعدى القرار الفلسطيني الى القرارين العربي والاسلامي.
وعلى كل حال، قدم المفاوضون الفلسطينيون في كامب ديفيد -2 قدراً من التنازلات يشكل النزول تحتها انتحاراً ذاتياً للسلطة الفلسطينية، بينما حصلت اسرائيل، بالمقابل، على 80 بالمئة مما تريد، واعتقد باراك ان الظروف ملائمة لكي يحصل على كل شيء، بالاضافة الى اذلال الفلسطينيين والعرب والمسلمين بالحصول على السيادة على المسجد الاقصى المبارك، فيكون بذلك «بطل السلام» وبطل النصر الاسرائيلي المؤزر! سوى ان ردة فعل الجماهير الفلسطينية والعربية، وما مارسته من ضغوط على النظام العربي باتجاه التشدد مع تل ابيب، ايقظ باراك من احلام البطولة، واستعاده الى السياسة، حيث يوجد شريك فلسطيني مرن، وقادر على تحمل مسؤولية اتفاق ينهي الصراع التاريخي بانتصار اسرائيل سياسياً ويحقق مصالحها الامنية والاقليمية والاقتصادية. فهل يقترب باراك من هذا السيناريو العقلاني»؟
لا نستطيع، بالنظر الى قصر قامة باراك السياسية، ان نقرر اذا ما كان سيلجأ اخيراً الى الخيار العقلاني «من وجهة النظر الاسرائيلية» فيكتفي بانجازاته التي حققها فعلاً في كامب ديفيد-2 في مسائل جوهرية مثل المستوطنات واللاجئين والقدس والعلاقات الاقتصادية الخاصة مع الدولة الفلسطينية العتيدة، والمياه، والضمانات الامنية، والوجود العسكري الدائم في الاغوار والمرتفعات الفلسطينية الخ، ويتفهم بالتالي احتياجات الحد الادنى للسلطة الفلسطينية ولا يتمادى فيطلب السيادة على اولى القبلتين وثاني الحرمين الشريفين!
لكن اذا فعلها باراك، فان ذلك لا يعني بالحتم نهاية المأساة ذلك ان الجمهور الاسرائيلي -المشحون يمينياً-قد يصوت ضد باراك وانجازاته… وقد يصوت له فيبدأ مسلسل المماطلات والاتفاقات عن الاتفاقات والشروحات على التفاصيل، والتفاصيل في الخلافات… الميدانية في استمرار عبثي «للعملية السلمية» كما صاغتها اتفاقية اوسلو عام 1993 اي ان الفلسطينيين سوف يحصلون على اتفاق نهائي رديء -وربما مخجل -ثم يدخلون متاهة التنفيذ، والتنازلات الجزئية عند كل مفصل… ثم الجمود فالانفجار.
وهذه العملية برمتها سوف تساعد اسرائيل على ترميم علاقاتها العربية، وتحسين صورتها الدولية، وتعزيز قدرتها السياسية على العدوان على لبنان وسورية او التدخل على الاقل –في شؤونهما الداخلية، سعياً لتركيعهما.
***
ازمة التسوية العربية -الاسرائيلية هي بالاساس ازمة اسرائيلية، طالما ان التناقضات التي تعصف بالبيئة الاسرائيلية تعجزها على استيعاب الاستسلام العربي سياسياً. فاسرائيل هي في الوقت نفسه، امبريالية حديثة وكيان ديني عنصري رجعي. والسلام ممكن مع اسرائيل الرأسمالية الامبريالية بالخضوع لها، سياسياً واقتصادياً وهذا هو ملخص ما يسمى باستراتيجية السلام العربية! بيد ان اسرائيل العنصرية الرجعية، هي من القوة بحيث تعرقل الزواج المأمول بين اسرائيل الامبريالية والاستسلام العربي.
والازمة الاسرائيلية التي وصفناها تواً لا تجري على صعيد انتخابي ولكن على صعيد بنيوي، مما يجعل «التدخل» في الانتخابات الاسرائيلية لصالح هذا المرشح او ذاك، نافلاً فحزب العمل لا يمثل اسرائيل الامبريالية الا بقدر ما يمثل «الليكود» اسرائيل الرجعية العنصرية، اي ان الحزبين متداخلان، ولا توجد في اسرائيل قوة سياسية تمثل المشروع الامبريالي الاسرائيلي بصفاء او حتى بالقدر الكافي لتحقيقه.
***
اغلب الظن ان القيادة الفلسطينية سترهن النضال الفلسطيني مرة اخرى للاعتبارات الانتخابية الاسرائيلية مع ان الاستقلال الفلسطيني يبدأ بتحقيق الانفصال عن اللعبة السياسية الاسرائيلية، والتعامل مع كتلة الاحتلال، بمطلب واحد هو زواله، عسكرياً ومدنياً، وزوال اثاره ومفاعيله، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.
يستحق الشعب الفلسطيني المناضل البطل، ان ترتقي قيادته الى مستوى دماء شهدائه… الى العلن والوضوح والتمترس وراء مطلب الانسحاب الكامل غير المشروط الى حدود 4 حزيران 1967… مقدمة لاي «اتفاق نهائي»!0

Posted in Uncategorized.