… والعشائر أيضاً قنبلة موقوتة

العرب اليوم

ناهض حتّر
المفاجأة العراقية الجديدة، كانت، هذه المرة، “عشائرية”! فبعد حديث مسهب مكتظ بالوعود أدلى به الأميركي المستعرب هيوم هوران في اجتماع شيوخ العشائر العراقية، سأله أحدهم-ربما لكي يواجه الآخرين بالحقيقة المرة-ما هي طبيعة الوجود الأميركي في العراق؟! وقد ردّ هوران بصراحة: إنه الاحتلال! وهنا انفضّ الاجتماع، وتعالت الصيحات الاحتجاجية.
ذهبت مغازلة هوران “لأصدقائي” شيوخ العشائر، هباءً. فالعشائر العراقية لا تقبل بالاحتلال، ولا بالتعاون معه. لن نلقي السلاح! ويصرخ الشيخ رياض الأسدي «الشعب العراقي قنبلة موقوتة، وستنفجر إذا لم ينسحب المحتلون.»
الخطط الأميركية الاستشراقية لإيجاد قاعدة عشائرية للاحتلال، قوبلت بغضب عشائري. وليس هناك أي مؤشرات على أن ذلك الغضب يتعلق بمطالب معيشية… ولكن بمطلب واحد: خروج الاحتلال!
***
ويقدر السياسي العراقي المعتدل عدنان الباجه جي أن صورة المقاومة العراقية سوف تتضح في غضون ستة أشهر. ولكنه يرى أن هذا الوقت اللازم لانفجار مقاومة واسعة، هو، أيضاً، الحد الزمني الذي يستطيع الأميركيون خلاله أن يفعلوا شيئا نوعياً لاستعادة الحياة الطبيعية في العراق: تشغيل المؤسسات، والخدمات وإيجاد فرص عمل لمئات آلاف المسرحين… وإقامة حكومة عراقية… ربما يكون الباجه جي رئيسها.
وربما يعود الاحتلال الأميركي، مجدداً، إلى التعاون مع الأحزاب الموالية للاحتلال-الآتية من الخارج، من أجل تشكيل هيئة حكومية عراقية للتعامل مع الوضع المعقد القائم. إن الأميركيين يواجهون مأزقاً سياسياً وأمنياً في العراق… وكلما تعمق هذا المأزق، سوف تتحسن فرص الباجه جي بوصفه “حلاً وسطاً”، وستجد أحزاب “المعارضة” السابقة دوراً. غير أن ذلك لن يؤدي إلى شيء. فالمشكلة هي الاحتلال المرفوض كلياً من قبل الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي الذي ترهقه المعاناة المعيشية، ويواجه قسم كبير منه، مستقبلاً غامضاً.
سوف يكتشف الحاكم الأميركي الاستعماري للعراق، سريعاً، هذه السياسية-الاجتماعية البسيطة: من غير الممكن استقرار الاحتلال من دون وسائل سياسية محلية. وهذه الوسائل غير متوفرة إلّا في قوى سياسية مستوردة من المعارضين السابقين المعزولين اجتماعياً وسياسياً.
والوجه الآخر للمشكلة الأميركية في العراق هو أن إصلاح ما دمره الغزو الإجرامي وعصاباته، وإعادة الحياة اليومية إلى طبيعتها، وتشغيل الأيدي العاملة…إلخ، يحتاج إلى مبالغ أكبر بكثير مما سيوفره تصدير النفط العراقي على المدى القصير. وإذا ما أضفنا إلى الاحتياجات الفعلية، نسبة الأرباح التي تريدها الشركات الأميركية المكلفة لإعادة الإعمار-وهي بين 70 و80 بالمئة-فسنواجه حقيقة أنه من المستحيل إنجاز الكثير في الستة أشهر أو السنة المقبلة.
***
… وحتى الانسحاب من الورطة… ومن العراق، ليس متاحاً. فالقوة الأكثر تنظيماً وخبرة وإمكانية في العراق، ما تزال هي قوة النظام السابق. ولا شيء يمنع من أنه قد تنشا ظروف ملائمة لعودته أو قد تنشأ ظروف فوضى شاملة تهدد الإقليم كلّه.
***
المقاومة العراقية ما تزال جنينية… ومع ذلك فهي مؤذية. وتقول المؤشرات بأنها ستتصاعد. وتعترف وزارة الدفاع الأميركية، بصراحة، بأنها تحتاج إلى المزيد من الجنود في العراق من أجل شل المقاومة، والسيطرة الأمنية على الوضع. وقد يجد بوش الابن نفسه، وقد أرسل ربما ربع مليون جندي إلى العراق، قبيل معركة الانتخابات الرئاسية… حين سيغدو “النصر” الأميركي في العراق، عبئاً على صاحبه. فقد تبين أن مبررات الحرب زائفة من دون العثور على أسلحة دمار شامل أو صلات مع “القاعدة”… وسوف يتبين لاحقاً أن حجم الدمار الذي ألحقه الغزو الأميركي بالبنى العراقية هو أكبر من قدرة الاحتلال على معالجته في بلد يرفض وجود الأميركيين… ومصمم على إخراجهم… بالضغط السياسي أو المسلح. وإذا أراد المحتلون الأميركيون، البقاء لسنتين، فربما يحتاجون إلى نصف مليون جندي لحماية الاحتلال من المظاهرات والقناصين والاستشهاديين!
وإذا كان الأميركيون عازمين على السير في هذا الطريق، فكيف نثق بأنهم قادرون على إسداء النصيحة الحكيمة لحلفائهم الإسرائيليين.

Posted in Uncategorized.