من امتحان الثقة النيابية إلى امتحان ثقة الشعب!

العرب اليوم

ناهض حتّر
كنت من أوائل الذين قدموا الدعم لرئيس الوزراء فيصل الفايز. وقد غامرت بهذا الموقف السياسي الصعب، انسجاماً مع مذهبي القائل بأن الأردن يحتاج اليوم إلى تفاهمات سياسية واجتماعية، تمكنه من تجاوز الاستحقاقات الإقليمية والدولية الناشئة، وبأقل الخسائر. وقد وجدت في شخص، الرئيس وخلفيته الاجتماعية، ما يدعو إلى التفاؤل بإدارة مثل تلك التفاهمات.
وقد جاء ردّ الرئيس على مناقشات المجلس النيابي بشأن الثقة، لكي تؤكد لي، مرة أخرى، انه يسعى، بالفعل، إلى التفاهم في الحدود، الممكنة. وبالنظر إلى ارتفاع المستوى العام للمداخلات النيابيّة، واستيعابها من قبل رئيس الحكومة، فقد كان المشهد الإجمالي، إيجابياً. وأنا أهنئ الرئيس بالثقة، إلّا أنني ما زلت عند قناعتي بأن هذه الثقة– مثلها مثل الترحيب السياسي والإعلامي بتشكيل حكومته– إنما هي ثقة بشخص الرئيس، وليس في حكومته، وسياساتها الرئيسية.
وقد يكون الرئيس ملزماً من الناحية الأخلاقية والسياسية– أن يدافع عن فريقه الوزاري، ولكننا نختلف معه في توصيف الانتقادات والاتهامات الموجهة لبعض الوزراء بأنها تقع في باب “اغتيال الشخصية”. أولاً، لأن “الوزراء” المعنيين ليسوا شخصيات عامة معترفاً بها من لدن الإجماع الوطني، بل هم تكنوقراطيون حاضرون لاعتبارات فنية وليس اجتماعية أو سياسية، وثانياً، لأن ما قاله الدكتور عبد الله العكايلة حول بعضهم لا يشكل 10 بالمئة مما يقال عنهم في الصالونات والشارع، وثالثاً، لأن النائب ليس جهة تحقيق بحيث يقدم بينات. فهده وظيفة الحكومة أن تحقق في ((الاتهامات)) الموجهة لأي من أعضائها، فإما أنها تقصيه من صفوفها وتقدمه إلى الجهات القضائية أو أنها تبيض صفحته. ومن دون ذلك، فإن” الاتهامات” ستظل قائمة، وتسود، في النهاية، صفحة الحكومة كلها.
ولقد سبق لي، في لقاء علني مع رئيس الوزراء السابق علي أبو الراغب، أن قدمت اتهاماً صريحاً لأحد وزراء حكومته، وبالاسم. وطلبت إليه إما أن يحولني حالاً إلى القضاء بتهمة الإساءة إلى سمعة وزيره أو أن يحول وزيره إلى التحقيق. ويومها ابتسم الراغب، ولم يفعل شيئاً تجاهي أو تجاه وزيره. وأنا أعرف، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أن الكثير من الأوزار التي حملناها لعلي أبو الراغب، لم تكن من صنع يديه، غير أنها أحاطت به، وأصبح هو عنوانها. فالحكومات في الأردن، تعرف برئيسها.
***
وأرجو أن يكون رئيس الوزراء فيصل الفايز، مدركاً أن الثقة النيابية ليست خاتمة المطاف، فما تزال هناك أمامه امتحانات ثقة الشعب. ونحن نأمل، أولاً، ألا يحمي بشخصه أحداً من وزرائه أو قيادات حكومته… مثلما نأمل، ثانياً، أن يدافع عن القرارات السيادية التي اتخذها الرؤساء قبله، فلا يخضع للضغوط بشأنها.
غير أن الرئيس سيظل يواجه استحقاقات كبرى، لم أجد في رده على مداخلات النواب بشأن الثقة، ما يشير إلى الاستعداد لمواجهتها، وأهمها:
(1) المديونية العامة. وهذا عبء ثقيل منهك لكل خطة تنموية جادة. ولم يعد من معنى للقول بأن الحكومة تسعى إلى خفض نسبة المديونية العامة إلى الناتج الإجمالي المحلي، بل أصبح لازماً تخفيضها بالأرقام المطلقة، وبصورة جذرية. وهو ما يتطلب، في رأيي، خطة مثلثة من (أ) المساعي السياسية (ب) ضبط الاستيراد والتقشف الصارم (ج) استخدام أموال الخصخصة بكفاءة لشراء الديون؛
(2) ضبط التسهيلات المقدمة للمستثمرين المحليين والأجانب، والشفافية الكاملة بشأن المشاريع والاستثمارات الكبرى، ودراسة أثرها الفعلي على التنمية الوطنية؛
(3) معالجة خسارة المنحة النفطية العراقية بالوسائل السياسية، فلا معنى “للتحالف” مع الولايات المتحدة في العراق مجاناً. وفي كل الأحوال البحث في سدٍّ العجز من دون الإضرار بمستوى حياة الفقراء ومصالح الصناعة الوطنية.
(4) مقرطة مؤسسة الضمان الاجتماعي، وضمان استقلالها الكامل مع الحكومات، وإعادة الحسابات الإكتوارية من هيئة وطنية مستقلة، قبل الخوض في أي إجراءات تمس حقوق المتقاعدين.
(5) ينبغي ألا يكون هناك سقف لحوارات التنمية السياسية. وأظن أنه من مصلحة النظام السياسي كله أن تصغي الحكومة، بانتباه شديد، لكل الأفكار المطروحة بعمق وروية ودقة، قبل أن تتوصل إلى رؤية تطرحها على النقاش العام، بحيث لا يكون المؤتمر الوطني العتيد مجرد مناسبة بروتوكولية.
(6) إن الفصل التعسفي بين قضايا التنمية السياسية وقضايا التنمية الاقتصادية، يجعل الحوار الوطني كله من دون معنى. فالديمقراطية هي، في النهاية، أداة لاتخاذ القرار الوطني في الاقتصاد والسياسة الخارجيّة. ولا معنى لديمقراطية لا تؤدي إلى سيطرة المجتمع على حياته واقتصاده ومعيشته وسياساته الخارجية.

Posted in Uncategorized.