مع دولة الرئيس في «حوار اصدقاء»… كيف يستطيع الاردن ان يستعيد توازنه ووزنه!

العرب اليوم
شؤون اردنية
ناهض حتّر
الخبر الذي بثته وكالة الانباء الاردنية “بترا” عن مجريات اللقاء بين رئيس الوزراء المهندس علي ابو الراغب وعدد من صحافيي الاسبوعيات، كان بلا طعم ولا لون ولا رائحة. وهذا ليس من باب التقليل من مهنية الزميل فيصل الشبول، مدير “بترا” فهو صحافي لامع. ولكن، يبدو ان صحافة وكالات الانباء الرسمية، هي من هذا النوع.
اللقاء نفسه كان خصباً للغاية. ولولا ان الرئيس استفز في ربع الساعة الاخير منه، وغضب -من دون ان يتجاوز-لقلت انه كان لقاء اصدقاء. وما لفت انتباهي ان ابو الراغب لم يتغير، في ادائه الشخصي المهذب والحميم، منذ عرفته قبل خمسة عشر عاماً، وان منصب رئيس الوزراء لم يوتره، بل زاده ثقة وبساطة.
رفض الرئيس، خلال اللقاء، ان يستمع اولاً الى الاسئلة والمداخلات، ليرد عليها جملة، بل حرص ان يدير حواراً متصلاً حول كل مداخلة مع كل زميل ادلى برأي؛ فكان الحديث اخذاً وعطاء، وكان بالامكان التوصل الى تفاصيل واستنتاجات.
في ما يتصل بقضية تحويل العقبة الى “منطقة اقتصادية خاصة”، لم يجب أبو الراغب بصورة مقنعة او موضوعية عن أسئلة الخوف الوطني السيادي على العقبة؛ بل دافع، غاضباً عن “وطنيته” و” حرصه على كل ذرة من تراب الاردن” ولكنه لم يبدد المخاوف او يدفعنا الى النظر اليها من زاوية اخرى، وخصوصاً من زاوية «ما يعرفه اكثر من الاخرين» وسوى هذه القضية كان الرئيس معتدلاً ومستعداً للتعامل مع الافكار المضادة والتفاصيل… والاتهامات.
قلت للرئيس بان حكومته متهمة بانها “حكومة توطين”. وبالرغم من ان وزر التوطين تتحمله الحكومات منذ نصف قرن، فان حكومة ابو الراغب جاءت الى الحكم، لسوء حظها عشية مفصل تاريخي هو مفصل الحل النهائي للقضية الفلسطينية وتداعياته العديدة المحتملة، وان الغموض والالتباس في الموقف الرسمي الاردني ازاء قضية اللاجئين، يفتح الباب امام التساؤلات والاتهامات. ولا اريد ان اكرر رأيي ازاء هذه القضية، مما يعرفه القارئ المتابع، واكتفي بالتوضيحات التي قدمها الرئيس، وهي كالتالي:
– لا توجد ضغوط على الاردن لاستيعاب المزيد من اللاجئين الفلسطينيين. وقد اعلنت الحكومة الاردنية، على كل حال، صراحة، انها لن تستوعب اي لاجئ جديد.
– ان هذا الاعلان يشمل، ايضاً، حوالي نصف مليون فلسطيني من المقيمين في الاردن، ولا يتمتعون بالجنسية الاردنية بالنظر الى كونهم من ابناء غزه او من ابناء الضفة الغربية الذين اعتبرهم قرار فك الارتباط معها عام 1988، غير اردنيين. والحكومة الاردنية ملتزمة بعدم تجنيس هؤلاء.
– عودة نازحي الـ 1967، تتم الى اراضي الدولة الفلسطينية العتيدة، واستقبالهم فيها، وبالتالي، هو شأن سيادي فلسطيني. ولم يوضح الرئيس اذا كان الحاصلون منهم على الجنسية الاردنية لهم نفس الحق في الاختيار.
– موقف الحكومة الاردنية المبدئي من قضية اللاجئين، يقوم على ضرورة تطبيق القرار الدولي (194) القاضي بعودة جميع لاجئي الـ 1948، الى ارض وطنهم و(وليس او) التعويض عليهم. ويستضيف الاردن، قرابة المليون ونصف المليون لأجئ. ويتمتع هؤلاء بالجنسية الاردنية وكامل حقوق المواطنة. ويعيش ثلاثمائة الف منهم في المخيمات ومليون ومائتا الف خارجها. وبعد ان يحصل اللاجئ (المتمتع بالجنسية الاردنية) على حقه في العودة والتعويض، يكون له حق الاختيار في البقاء او العودة.
وقد حاولت ان اوضح للرئيس انه لا يكفي ابداً اتخاذ موقف مبدئي، ومن ثم افراغ مضمونه عملياً. وانه لا بد من مبادرة اردنية قوية وغير ملتبسة وتدخلية من اجل ضمان المصالح الاردنية، الخاصة بالدولة او الافراد، في هذا المجال. واقترحت الالحاح على العودة وربطها بالتعويض حكماً، لأن التعويض مع حق الاختيار معناه دفع اللاجئ الى البقاء اردنياً والتنازل عن حقه بالعودة. واشرت الى ان استيعاب اكثر من مليون ونصف المليون لاجئ سيرهق كاهل الاردن، وخصوصاً من وجهة نظر تماسك عصبية الدولة، وصعوبة الاندماج السياسي وخطر تحويل الاردنيين من اصل فلسطيني الى “طائفة” لها كوتا سياسية، ما سيؤدي الى تحويل الاردنيين كلهم الى “طوائف”.
وقد تعامل الرئيس، بدون تشنج، مع الافكار المضادة هنا واورد ما يتم تداوله بين السياسيين والصحافيين من افكار اخرى، منها مثلاً، ازدواجية الجنسية، وطرح، بدوره اسئلة صعبة حقاً. ولكنه اكد على كل حال، ان مناقشة كل هذه المسائل، علناً، ضرورة لا تمس “الوحدة الوطنية” التي تلتزم الحكومة الاردنية بالدفاع عنها، ولكنها لن تستعملها كورقة لاغلاق المناقشة الحرة، الهادئة والموضوعية، في واحدة من اخطر المسائل الوطنية، وهي قضية اللاجئين.
وبالرغم من هذا “الانفتاح” غير العهود، فقد خرجت من الحوار مرتاحاً للرئيس كـ«صديق» ولكنني غير مقتنع كمواطن وصحافي. فالموقف الرسمي من قضية اللاجئين ما يزال ملتبساً واقرب الى الاستسلام امام «ضروريات»-التوطين… وبلا ثمن!
هَمّ الزملاء الاسلاميين، بالطبع، لا يدور، حقيقة، حول موضوع اللاجئين او العقبة او قانون الانتخاب. ولكنه يتمحور، كما رأيت، حول قضية قادة حركة المقاومة الاسلامية (حماس). وانا لا اعرف اناساً اكثر حزبية من الاسلاميين. فقضاياهم التنظيمية الخاصة لها الاولوية دائماً. وقد شعرت ان الرئيس ودي للغاية ازاء (حماس) ولكنه، بذكاء، طلب من زميل اسلامي الحّ، ان يترك الامر للحوار بين الحكومة الاردنية و(حماس) نفسها؛ سيما وان الحبل ممدود بين الطرفين، بدأه رئيس المكتب السياسي لـ(حماس) بتهنئة ابو الراغب هاتفياً.
وقد خاب ظني بالنسبة لموقف حكومة ابو الراغب من الحصار المفروض على العراق. فقد كنت اظن ان في جعبة هذه الحكومة شيئاً في هذا المجال؛ ولكن الرئيس الذي-بوصفه مواطناً اردنياً عربياً-يتضامن كلياً مع العراق، ويرغب صادقاً، في كسر الحصار اللئيم المفرض عليه-يجد ان “الاردن ليس دولة عظمى” فهو، بالتالي اصغر من ان يقوم بمبادرة اختراق لذلك الحصار. واعتقد ان هذا الموقف هو تبرير للالتزام بالسياسات الاميركية في هذا المجال فالاردن ليس دولة عظمى، ولكنه دولة مجاورة للعراق، ويرتبط معه بعلاقات اقتصادية عضوية معطلة منذ عقد، ما يجعل الاردن هو الاخر محاصراً، وصاحب مصلحة مباشرة في كسر الحصار. ثم ان عمان لم تكتف، منذ 1996، بالالتزام بالحصار الدولي، بل شددته عبر سياسات معادية لبغداد، ولا احد يستطيع ان يمنعنا من العودة الى علاقات دافئة وحميمة مع البلد الذي يمثل شريكنا الاقتصادي الاول. وبالرغم من عدم ارتياحي للتبريرات التي ساقها الرئيس دفاعاً عن التباطؤ في استعادة تلك العلاقات، فقد شعرت انه يرغب بالفعل بزيارة العاصمة العراقية، وانها (الزيارة) ربما تكون على اجندته فعلاً.
ولكن اللحظة الاكثر ثقة في كلام الرئيس هي تلك التي استفاض في الحديث خلالها عن حاضر ومستقبل العلاقات الاردنية-السورية. ويبدو ان عجلة المودة والتعاون والتفاهم الثنائي بين عمان ودمشق، تدور باسرع مما توقعنا. وهو ما يسر ويدعو للتفاؤل. وبالنسبة لي، فان الاردن، استراتيجياً، يحلق بجناحين، سوري وعراقي. وآمل ان يستطيع بلدنا ان يلتحم، اخيراً، بجناحيه. واذا فعلها الرئيس “وطار” الى عاصمة الرشيد، فستكون تلك له انجازاً لكل حياته السياسية وسيكون الاردن… ربما المفتاح لاستعادة توازنه ووزنه.0

Posted in Uncategorized.