محصلة الأيام الأولى من «أم المعارك»

الشعب
علامات الزمن
ناهض حتر

… وحتى بعد ان صدقت بغداد وعدها، فصمدت لجريمة العصر، وللمجرمين، وباشرت قصف المعاقل الصهيونية في فلسطين المحتلة، منهية اثنين واربعين عاما من الهيمنة الصهيونية على امة العرب، فلا تزال وسائل اعلام نظام عربي «قومي!» غير قادرة على الخجل، ولا تزال تشفق على الشعب العراقي العظيم وتروج اكاذيب قاتليه، وتعتبر أن دك تل ابيب مؤامرة عراقية!
وللعلم، فإن قوة سياسية ما، قامت بعد الساعات الاولى من العدوان الاميركي على العراق، بمشاركة وسائل الاعلام الامبريالية، حملة الاكاذيب عن «النصر» الأميركي، والحديث عن «تعنت صدام الذي دمر الشعب العراقي» في حين ان الناطق باسم اصحاب مشاريع الاستخذاء امام الصهاينة، والتعايش مع الكيان الصهيوني، ونبذ الارهاب، يعلن انه واصحابه لا يزالون ملتزمين بنبذ «الارهاب»… ولم يكن ينقصه سوى مشاركة «بوش» وميجر بارسال تعزية حارة «لشامير» المنكوب.
ليكن، فلا يوجد، بالنسبة لحركة التحرر الوطني العربية، وضع افضل من الوضع الذي انجزه العراق في غضون الايام الاولى من «ام المعارك» فلم يعد اصدقاء «اسرائيل» واعداؤها في الوطن العربي، يلتفون بعباءة واحدة، تحت شعار «التضامن العربي» ولم يعد ثمة مجال للتضليل، فها هي اللوحة ترتسم كما هي بالفعل، وقد رسمها، في عقل كل عربي، العراقيون الاباة بدمائهم الزكية وجرأتهم على الموت في سبيل الله.
وتعالوا نتابع تفاصيل تلك اللوحة:
– فهذه الطائرات الاميركية والاطلسية «والاسرائيلية» والسعودية والكويتية، تنطلق معا، من ارض الجزيرة العربية المحتلة، لتقصف ارادة التحرر الوطني، ونهضة العروبة، والأطفال في بغداد الأبية، باحثة عن منصات الصواريخ العراقية لتسكتها عن تل ابيب!
– وهذا السفير «الاسرائيلي» في القاهرة ينسق مع وزير خارجيتها، الموقف المشترك ضد بغداد، ومع وزير داخليتها، الموقف المشترك ضد الشعب المصري، ليعلن ان نظام اكبر دولة عربية، ليس فحسب، حليفا «لاسرائيل» في اطار التبعية للامبريالية الامريكية، بل تابعا هامشيا لتل أبيب.
– وهذه قوى الرأسمالية الغربية، واتباعها في العالم الثالث، تكشف عن انيابها الصليبية، وتظهر مدى ديمقراطيتها بالتنكيل بحركة السلام الجريئة، ومدى «تحضرها» وايمانها بحقوق الانسان، بالتحشيد لارتكاب جريمة العصر ضد بغداد، والاسى لسقوط اسرائيليين من جراء الصواريخ العراقية «البربرية» وباعتماد الكذب المنظم كأسلوب وحيد للعمل السياسي!
– وهذه الغورباتشوفية تسقط عنها ورقة التوت الاخيرة، ويظهر «تفكيرها السياسي الجديد لنا وللعالم اجمع» باعتباره استراتيجية خضوع الاتحاد السوفياتي والعالم اجمع، لهيمنة الكاوبوي المطلقة.
– وهذه … وهذه … مما تتناقله وكالات الانباء! لقد انكشف المستور في الوطن العربي والعالم كله، وسقطت كل الاقنعة … وسقوط الاقنعة يعني سقوط الوجوه البشعة خلفها، فعاجلا ام اجلا، ستتدحرج رؤوس وانظمة وحكومات وقوى: فمن يقف ضد بغداد، اليوم، وهي تخوض معركة مستقبل العرب والعالم، لن يقف، بعد، ابدا. وبغداد المصابرة، المعبأة، المناضلة، سترسم خريطة الوطن العربي الجديدة، وسيسهم نضالها البطولي في رسم خريطة العالم لما بعد الحرب الباردة!
وليس الكشف عن المستور، واظهار البشاعة المخبأة في اكاذيب عاش بعضها طويلا في عقولنا، ليس بعد سوى الاطار للانجازات العراقية الضخمة التي حققتها بغداد في الايام الاولى من «ام المعارك». ولن نرصد الان، تفاصيلها، بل سياقاتها الاساسية، وهي:
اولا-انتصار استراتيجية المواجهة العراقية، فقد استطاعت بغداد ان تمتص الضربات الاولى القوية التي لن تكون قوى التحالف الاميركي، قادرة على الضرب باقوى منها، في حين احتفظت بغداد بالقسم الرئيسي من قدراتها العسكرية، التكتيكية والاستراتيجية، ولم تستعملها، ولن تستعملها، الا بحذر واقتصاد شديدين، بما يمكنها من خوض حرب لا نهاية لها الا بهزيمة المعتدين… فكل يوم جديد من الصمود العراقي معناه المزيد من الارهاق المادي والمعنوي للقوات المعادية والمزيد من المظاهرات السلمية في اوروبا واميركا والعالم، والمزيد من امكانات الانفجار الثوري في الوطن العربي والعالم الثالث، والتحول السياسي في الاتحاد السوفياتي.
واذا كان العراق اليوم، وحيدا، فلن يستمر هذا الوضع طويلا … فللعراق حلفاء موضوعيون من الجماهير العربية والاسلامية، وجماهير الجنوب كله، وجماهير الكادحين والمسالمين في الغرب الرأسمالي… ولان العراق صامد، وسيصمد، وفق المعطيات الواقعية القائمة، فان حركة حلفائه في الوطن العربي والعالم، ستنتظم شيئا فشيئا، وستغدو قوة جبارة تطبق على اعدائه من الخلف.
ثانيا -انهاء التفوق «الاسرائيلي» الاقليمي، فبعد اثنين واربعين سنة من الغطرسة «الاسرائيلية»، غدت اسرائيل تحت رحمة الصواريخ العراقية وليست المسألة في اطلاق صواريخ على تل ابيب، بل خلق السياق الذي يمكن فيه قصف «اسرائيل» بدون ان تكون قادرة عل وقف القصف، او الرد عليه ردا فعالا – فماذا يستطيع كل سلاح الجو الاسرائيلي ازاء العراق، اكثر مما تستطيعه طائرات التحالف الدولي؟ – والامر ان «اسرائيل» غدت الان، هدفا سهلا للقصف الصاروخي العراقي القادر على الانتقال من تدمير مبنى الى جعل الحياة نفسها مستحيلة عل الاسرائيليين في فلسطين المحتلة -فلو اراد العراق لاسقط، في هجمتيه الصاروخيتين الخفيفتين على اسرائيل عشرات الالاف من قتلى العدو بدقائق…
وهذا ما يدركه الان كل صهيوني يستوطن ارضنا المغتصبة من النهر الى البحر.
لقد اظهرت بضعة صواريخ عربية تنهال عل المستوطنين الصهاينة -و«كل اسرائيلي» هو مستوطن -ان هذا الكيان «الجبار» هو بناء من قش… فلا يوجد في اسرائيل الان، سوى الرعب، الرعب الذي يوقع من الاصابات اكثر مما توقعه الرؤوس التقليدية الرحيمة.
واذاعة «اسرائيل» التي كانت تطالب الثوار العرب، عام ١٩٨٢، بالاستسلام… تطالب «مواطنيها» الآن، بالتوجه الى اعمالهم وبقالاتهم ومخابزهم، بينما هم يرتجفون في مخابئهم… فهل ستتمكن الصهيونية العالمية، الان من جلب مهاجر يهودي الى موطئ الصواريخ العراقية هذا؟ وهل يمكن الان، وقف سيل الهجرة المعاكسة؟!
لقد اسقط العراق، والى الابد، خيار التعايش مع الكيان الصهيوني، خيار الذل العربي الذي قبل المهانة القومية سنين طويلة، وقبل ان يتنازل عن جزء هو الاعز من الارض العربية، بحجة انه ليس في اليد حيلة، بل انها هيمنة يهود الداخل، وتجبّرهم فينا… فما قيمة «اسرائيل» الان، سوى عشرة رؤوس كيميائية وبيولوجية ورأس تقليدي على المفاعل النووي «الاسرائيلي» في ديمونة، ليكون الموت الجماعي، ولتكون الهجرة الجماعي!
ثالثا – اشعال فتيل التغيير في الوطن العربي. فما هو قائم لم يعد ممكنا ان يستمر بعد الان، والنائمون على الحرير سيكتشفون سريعا جدا، ان الجماهير الشعبية العربية كلها تصطف الان، في الخندق العراقي، وتتشكل ثورتها القادمة من جدل ايمانها بالمهمات الكبرى التي يطرحها العراق على الامة، وتلمسها المادي للصمود العراقي.
فالجماهير العربية من كثرة ما مر عليها من الهزائم والاكاذيب، صارت بحاجة الى «وقائع» و«ملموسات»… وقد ارانا العراق كيف يصدق وعده، وكيف يتحدث بالوقائع لا بالكلام، وما هي الا ايام حتى يغدو التشكيك بالقدرة العراقية موضع سخرية، وحتى يغدو الصمود العراقي حدثا عاديا في الحياة العربية، وانموذجا ملهما لجماهير امتنا العظيمة.
لقد جرى الحديث مرارا عن مفاجات عراقية في التقنية والاسلحة والتكتيك، ولكن المفاجاة الاهم في الايام الاولى من «ام المعارك» المفاجأة التي ستتكرر كثيرا في الايام والاشهر والسنوات التالية، هي تلك القدرة العراقية الاسطورية على الصمود والتصدي والنصر.

Posted in Uncategorized.