طلاق استراتيجي ..

عمّان

ناهض حتّر

قبيل عودة رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية »حماس« خالد مشعل الى العاصمة الأردنية عمان أمس، حيث اعتقل في المطار، ذكّر الملك الأردني عبد الله الثاني، بالرعاية التي كان والده الملك حسين، يحيط بها الحركة وقادتها وأعضاءها وأمنها في عاصمته، وناشده، في حديث لفضائية »الجزيرة« القطرية، إلغاء الإجراءات الأردنية ضد الحركة، متسائلاً عما حدث في غضون بضعة أشهر بحيث فقدت »حماس« حظوتها لدى القصر الأردني«.وإذا كان نائب رئيس الوزراء وزير الاعلام الأردني أيمن المجالي لم يستطع إقناع الصحافيين أمس، حين أعاد التغيير في موقف حكومته من »حماس« الى تجاوز الحركة لأصول الضيافة (السياسية والاعلامية) وإلى المساس بالأمن الوطني، فربما كان محقا، الى حد ما، في القول ان الاجراءات الأردنية ضد »حماس« لم تكن من وحي خارجي.وكان العديد من الإسلاميين الأردنيين، قد اتهم عمان بأنها خضعت لضغوط خارجية، أميركية وإسرائيلية وفلسطينية، للطلاق مع »حماس«. وربما كانت هذه الضغوط قد حدثت بالفعل، ولكنها كانت موجودة دائما، وكان يتم صدها حين كان الملك الراحل ينظر إلى الحماسيين بوصفهم أداته السياسية الأقوى على الساحة الفلسطينية، بحيث أنه لم يكن مستعدا للتخلي عنهم مهما كانت الضغوط.وقد يكون العهد الأردني الجديد، بالفعل، أقل قدرة على مقاومة الإيحاءات الخارجية، إلا أنه من الضروري ان نلاحظ أن الطلاق مع »حماس« جاء في سياق سلسلة من المؤشرات على أن المملكة الأردنية الرابعة ربما اتخذت قرارا استراتيجيا بالانسحاب من الشأن الفلسطيني، بحيث لم تعد مضطرة لمجابهة الضغوط للاحتفاظ بأداة فلسطينية، حتى ولو كانت من وزن »حماس«، بل أن معلومات أمنية ترددت في العاصمة الأردنية تقول إن الأجهزة الأمنية الأردنية طلبت من القيادة الفلسطينية، وقف نشاطات »فتح« في المخيمات الفلسطينية في الأردن، في إطار صفقة تضمنت وقف نشاط »حماس«.وهكذا، فربما كان تذكير مشعل بالعلاقة الوطيدة التي كانت لحركته مع الملك الراحل، غير ذي معنى. أوَلم يكن الأخير »يقاتل« من أجل دور له في القدس المحتلة، حتى أنه جعل من هذا الدور شرطا لتوقيعه على المعاهدة الأردنية الإسرائيلية العام 1994، ثم جاء وريثه ليعلن ببساطة، ان القدس هي، بالنسبة للأردن »مدينة فلسطينية محتلة« وحسب، بينما فاجأ رئيس وزرائه عبد الرؤوف الروابدة الأطراف، بالإعلان عن تخلي عمان عن رعاية المقدسات الإسلامية فيها لصالح السلطة الفلسطينية التي ألحت هي، هذه المرة على إرجاء هذه الخطوة؟وبالإضافة الى التخلي عن الادعاءات التقليدية في قضية القدس هناك مؤشرات أخرى على ميل العهد الأردني الجديد إلى اتباع سياسة غير ملتبسة ازاء الشأن الفلسطيني. فبينما كانت المناقشات بشأن اللاجئين والنازحين في الماضي ممنوعة، حيث يشكل هؤلاء، في الخطاب الرسمي، »الأردنيين من أصل فلسطيني« فإن الصحافة الأردنية تحتشد اليوم بالدراسات والمقالات والتصريحات التي تعالج شؤون اللاجئين والنازحين »الذين يحملون الجنسية الأردنية«، وتؤكد على »حقهم بالعودة«.وعلى الصعيد نفسه، كرر الملك عبد الله الثاني، غير مرة معارضته للبحث في مشروع الكونفدرالية مع الكيان الفلسطيني، قبل أن يحصل الفلسطينيون على استقلال وسيادة كاملين؛ ثم طوّر موقفه إلى إفراغ المشروع نفسه من مضمونه السياسي والحديث عن علاقات كونفدرالية يوافق عليها الشعبان بين »دولتين مستقلتين«، بينما يجد العديد من المعلقين ان القصر الأردني لا يريد في الحقيقة، الكونفدرالية هذه »لا اليوم ولا غداً« على حد تعبير المعلق الصحافي المعروف فهد الفانك.وتحسبا للضغوط المحتملة بشأن المشروع الكونفدرالي، لوّح القصر الأردني بإمكانية اتباعه النموذج اللبناني من حيث بناء علاقات تكاملية مع سوريا (ولبنان) ما حدد، على كل حال اتجاه الريح بالنسبة للسفينة الأردنية.لكل ذلك، فقادة »حماس« العائدون الى عمان أمس، آملين بتصعيد سياسي داخلي يرغم الحكومة الأردنية على اقتراح صفقة سياسية، لن يحصلوا في النهاية، سوى على »صفقة قانونية«. وقد بدأت بالفعل ضغوط نيابية ونقابية على الحكومة باتجاه »تخفيف الاجراءات« و»الافراج عن الموقوفين بكفالة« حسبما صرح رئيس لجنة الحريات العامة في مجلس النواب محمد الأزايدة. بينما قال نظيره في مجمع النقابات المهنية نعيم المدني انه من الضروري التأكيد على سلامة الاجراءات القانونية ضد أعضاء »حماس« الموقوفين، لأن »المتهم بريء حتى تثبت إدانته«!.و»الإخوان المسلمون« الأردنيون الذين نصحوا قادة »حماس« بتأجيل عودتهم الى عمان، وقاموا بوساطة اللحظة الأخيرة لمنع اعتقالهم حال عودتهم ليسوا في وارد التصعيد، وهم مقتنعون بأن الطلاق بين عمان و»حماس« نهائي. ولكنهم يريدونه ودياً، ما يجنب السلطات والحركة الاسلامية معا، الإحراج لا سيما وأن العلاقات بين الفريقين هي الآن في أحسن حالاتها، فيما يتصل بالتفاهم حول الشؤون الداخلية، بل ان الأمين العام »لجبهة العمل الإسلامي« عبد اللطيف عربيات، ثمّن أمس، باسم أحزاب المعارضة الموقف »الايجابي والجاد« الذي اتخذه الروابدة، ازاء اقتراح الأحزاب »إلغاء نظام التصويت المجزوء (المعمول به حاليا) والموافقة على مبدأ القائمة النسبية في إطار نظام التصويت المختلط«.وكان الروابدة أعلن ان حكومته بدأت بالفعل دراسة أسس مشروع قانون جديد للانتخابات النيابية يأخذ في الاعتبار مطالب المعارضة.

Posted in Uncategorized.