دلالة المبادرة النيابية «لدفنها» تظل قائمةمعاهدة «وادي عربة» … وقد ماتت!

العرب اليوم
شؤون أردنية
ناهض حتّر
المبادرة النيابية باقتراح مشروع قانون الغاء المعاهدة الاردنية -الاسرائيلية لسنة 1994، ليست فقط مبادرة شجاعة، وانما هي، ايضا، تعبير دقيق عن ضرورة وطنية حيوية، هي ضرورة خروج السياسة الاردنية من جمودها الداخلي والخارجي، وانتقالها الى آفاق ارحب تسمح للقوى الاجتماعية الوطنية، باعادة الاصطفاف والتوافق والائتلاف في مشروع نهضة جديدة للبلاد.
ومنذ ثلاثة اسابيع، يسلط العدوان الاسرائيلي الهمجي على الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة، الاضواء الساطعة على حقيقة متبلورة قبل ذلك بالطبع، وهي ان المعاهدة تلك، لم تعد ذات معنى. فهي ماتت فعلا، من النواحي المعنوية والعملية والسياسية، وهو ما يطرح ضرورة دفنها قانونيا. ومن هنا، تأتى مبادرة النائب سلامة الحياري وصحبه في اوانها، ومشحونة بدلالة تاريخية تظل قائمة بالرغم من تعثر المبادرة، واضطرار اصحابها الى سحب مشروعهم حتى اشعار آخر.
لقد برهنت الاحداث، اولاً وقبل كل شيء، على ان الاردن لا يمكنه، فعلياً، متابعة الصلح المنفرد مع اسرائيل، ولا مصلحة له في ذلك. وقد تبين بالملموس ان السلام الاردني الاسرائيلي، مرتبط حكماً بالمسارات الاخرى، وخصوصاً المسار الفلسطيني. وكان ابرام معاهدة وادي عربة، قد تم اصلا بعد التوصل الى الاتفاق الاسرائيلي-الفلسطيني في اوسلو، العام 1993، وفي ظل «معلومات» اميركية «موثوقة» عن قرب التوصل الى اتفاق على المسار السوري (واللبناني) وقد بدا لصانع القرار الاردني وقتها، ان الخطوة الاردنية في وادي عربة، تأتي في سياق شامل يتبلور، ربما، من دون عمان، فاستعجل الامر، مطمئناً الى ان (العملية السلمية) قاب قوسين او ادنى من خاتمتها السعيدة. بيد انه اتضح ان كل ذلك التصور الوردي لا اساس له، وانتهينا الان الى سقوط «العملية السلمية» على كل المسارات، بحيث ان تجديد تلك العملية، اصبح يحتاج الى عناصر واسس جديدة يحتاج اجتماعها الى وقت قد يطول. ولعله من نافل القول، التأكيد على ان للاردن مصلحة حيوية في ان يكون شريكاً في الاطار الجديد المستقبلي للعملية السلمية. وهي شراكة لن تتاح له طالما ظل متمسكاً بمعاهدة «وادي عربة» المنتمية الى اطار قديم ميت وخصوصاً ان المطالب الأردنية الاساسية (المتعلقة باللاجئين، والتعويضات، والامن، والعلاقات الاقتصادية فلسطين. الخ) قد تم تجاهلها حتى عندما كان ذلك الاطار ما يزال حياً.
ولا يستطيع الاردن، بحال من الاحوال، ان يتمثل الانموذج المصري. فمصر ليست لديها مصالح مصرية معلقة على تفاعلات العملية السلمية. وهي تثير، وقد تثير مستقبلاً، مطالب من نوع نزع السلاح الاستراتيجي من منطقة الشرق الاوسط او من نوع التعويض عليها عن استنزاف بترول سيناء او اساءة معاملة الاسرى المصريين، في حرب 1967، الا ان كل هذه المطالب، وغيرها، يمكن طرحها بعد اتمام العملية السلمية، او بانفصال عنها، مما يجعل مصر قادرة على الاستمرار في «سلامها» مع اسرائيل، سيما وانها استعادت كل اراضيها المحتلة، بالاضافة الى انها تتقاضى مكافأة سنوية مجزية على التزامها السلام مع اسرائيل وباختصار فان حساباتنا غير حسابات مصر.
بموجب المعاهدة الاردنية-الاسرائيلية لسنة 1994، استمرت اسرائيل بالتمتع بحقوق ملكية واستئجار في الاراضي الاردنية المستعادة، رغم تكريس واقع الحال فيما يتصل بالنهب الاسرائيلي لمياه نهر الاردن، وهما واقعتان لا يعتد بهما لاستمرار المعاهدة التي تضمنت العديد من القضايا المعلقة على نتائج العملية السلمية على المسار الفلسطيني وهي: ترسيم الحدود مع الضفة الغربية والقضايا الامنية المرتبطة بذلك، المياه، اللاجئون والنازحون، العلاقات الاقتصادية مع فلسطين، التعويضات وهي قضايا سوف يتم بحثها وحلها في اطار سياسي جديد سوف يتبلور في المستقبل، ولا مصلحة للاردن بان يكون خارج هذا الاطار. ولذلك، فمكانه هو الى جانب سورية ولبنان، وليس الى جانب مصر، فيما يتصل بالنظرة الى العملية السلمية، وذلك بانتظار الاتجاه الذي ستسير فيه السفينة الفلسطينية.
لم يحصل الاردن على اي من الوعود (هل اعطيت اصلا؟) على المستوى الاقتصادي سوى الفتات، بينما جرى تجاهله سياسياً، وتجاهل دوره ومصالحه من قبل الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل، في مفاصل ربما كانت حاسمة. وحتى النقطة الرئيسية التي طالما روج الرسميون الاردنيون للمعاهدة «وادي عربة» بها وهي انتزاع الاعتراف الاسرائيلي بان الاردن ليس فلسطين ليست له قيمة. اولاً، لان شرعية الكيان الاردني لا تحتاج الى هذا الاعتراف، وثانياً لان اسرائيل ليست مخلصة في هذا الاعتراف، فسياستها ما تزال تقوم على خلق المعطيات الواقعية لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن، ولا اريد ان اتوقف هنا عند عشرات التصريحات العلنية لمسؤولين اسرائيليين تشكك بشرعية الكيان الاردني وتعتبره «فلسطينيا» بل اريد ان اركز على الافعال.
لقد نصت المعاهدة «وادي عربة» على امتناع الطرفين عن القيام باعمال شأنها احداث هجرة جماعية قسرية من مناطق نفوذهما بالاتجاه الاخر وتقوم اسرائيل بخرق فاضح لهذا «البند» منذ اكثر من ثلاثة اسابيع، حين بدأت عمليات وحشية ضد اهالي الضفة الغربية وغزة، من شأنها احداث هجرات جماعية قسرية منهما باتجاه الاردن. عداك عن ان امتناع اسرائيل عن الانسحاب من الاراضي الفلسطينية، وعرقلتها اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس، ينسفان الاطار الذي ابرمت في ظله معاهدة «وادي عربة» ويدفعان باتجاه نقل المشكلة كلها الى بلدنا.
لكل ذلك، وغيره من المعطيات، اصبحت معاهدة «وادي عربة» نافلة، ومن المؤسف أن مبادرة الحياري وصحبه الجريئة للاعلان عن ذلك، لم تحظ بالاهتمام الاعلامي والشعبي، بما يوازي اهميتها. وهي اهمية تبقى ماثلة، بالرغم من ضعف المجلس النيابي الحالي، مما ظهر جلياً في المصير العملي للمبادرة النيابية الشجاعة.0

Posted in Uncategorized.