دلالات خسارة المجالي

العرب اليومناهض حتر
الضربة التي وجهت الى المهندس عبدالهادي المجالي (في انتخابات رئاسة المجلس النيابي) لم تؤذه، بقدر ما آذت هيبة البرلمان واستقلاله، بل ومجمل تطور العملية الديمقراطية في هذه المرحلة.
وحين اتحدث عن «ضربة»، فلا اعني، بالطبع، خسارة المجالي، معركة الرئاسة، ولكنني اشير الى الائتلاف الواسع المتشابك الذي تكوّن ضده، فكأن كل الاطياف السياسية الممثلة في البرلمان، تقاطعت، على الرغم من خلافاتها واختلافاتها، في حلف لإقصائه. ولهذا «الحلف» دلالات محبطة بالنسبة للدستوريين والديمقراطيين وكل المتطلعين الى تطوير الحياة السياسية في البلاد.
برز المجالي، في السنوات الاخيرة، بوصفه السياسي الاردني الاكثر جدية في السعي الى بناء قوة سياسية مستقلة. وقد دفعه هذا المسعى بالذات -وان يكن متردداً وحذراً -الى تبني موقف الدفاع عن الدستور والدستورية، وتطوير النظام السياسي الاردني باتجاه التمركز على التعددية الحزبية، وتعزيز الفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية).
يتبنى المجالي، اذن، الليبرالية السياسية في حين ان المشروع الحكومي هو مشروع يقوم على الليبرالية الاقتصادية (الخصخصة الشاملة والحرية المطلقة لرجال الاعمال والتجارة) المقترنة بالسلطوية السياسية. وهو المشروع الذي وجد ترجمته في 211 قانوناً مؤقتاً اصدرتها حكومة المهندس علي ابو الراغب في سنتين ونصف من غيبة المجلس النيابي، مستأثرة بالصلاحيات التنفيذية والتشريعية معاً. وبطبيعة الحال، كان نجاح سياسي مستقل يقوم مشروعه على استقلال البرمان وقوته، خطاً أحمر بالنسبة للحكومة. فعلى الاقل، هناك خطر ان يقوم المجلس النيابي تحت قيادة مستقلة سياسياً، بردّ القوانين المؤقتة، جملة وتفصيلاً، حماية للدستور، وحفاظاً على مضمون الحياة النيابية.
وحول الكتلة الحكومية في المجلس النيابي، اجتمع «حلف الاضداد» ضد المجالي، من «الاخوان المسلمين» الى «التجمع الديمقراطي» الى انصار الرئيس عبدالرؤوف الروابدة.
ويمكننا ان نجد تفسيراً لموقف كتلة الاخوان. فهؤلاء حزب من مبادئ سياسية. انهم حزب البراجماتية الصافية بامتياز. وقد حققت لهم وقفتهم ضد المجالي، تأمين علاقات الكسب مع الحكومة، وموقعاً في قيادة البرلمان، وتقديم اشارات وديّة لمن يهمه الامر، خصوصاً وان المستقبل قد يحمل مفاجآت غير سارة للاسلاميين. ويعرف نواب الاخوان انهم لن يغضبوا قواعدهم. فهذه لا تتابع السياسة المحلية.
لا يهتم الاخوان المسلمون، ابداً، بتطوير الحياة السياسية الاردنية، او بتجذير الديمقراطية او استقلال البرلمان، فحساباتهم تتعلق بشأنين، أولهما تأمين مصالح النخبة الاخوانية وثانيهما استمرار تمثيلهم الديمغرافي، وضمان حضور (حماس) السياسي في البلد.
ولكن ماذا عن «التجمع الديمقراطي»؟ انهم، ببساطة، يسيرون في الخط نفسه لليبرالية المعولمة السلطوية. ومع انهم يتحدثون كثيراً عن الديمقراطية والاصلاح الديمقراطي والتنمية السياسية، فإنهم مستعدون دائماً للعمل ضد شعاراتهم بالذات، حين تطلب الحكومة ذلك. ولا يمثل «اللغط» «اليساري»، بالنسبة لهؤلاء، سوى اداة تمكنهم من التماهي مع الليبرالية السلطوية، ولأهداف محدودة للغاية. وهي تأمين مصالحهم.
والموقف الذي يحير الباحث الاجتماعي -السياسي، هو موقف الروابدة. فالروابدة والمجالي ينتميان الى الارومة الاجتماعية -السياسية ذاتها. أهي، اذن، خصومة شخصية على الموقع الاول في التيار نفسه، ام هي خصومة جهوية؟
***
ومع ذلك، اجتمعت الاطياف كلها على المجالي، وخرج بأربعين صوتاً في حين فاز منافسه المدعوم من «حلف الاضداد» بـ 65 صوتاً فقط!
لقد خرج المجالي من المعركة، اذن، قوياً. وهو، بهذا المعني، لم يخسر. وهو سيفعل خيراً اذا طوّر كتلة متماسكة سياسياً-ولو قليلة العدد-على اساس التمسك الصريح والمثابر بالمبادئ الدستورية.
ويظل المراقب السياسي خائب الامل، طالما ظلت الحكومات قادرة على ادارة لعبة الانتخابات العامة، وكذلك اللعبة البرلمانية.

Posted in Uncategorized.