حكم الشعب أو حكم الاستعمار!

العرب اليوم

ناهض حتّر
أخشى أن القيادة العراقية قد توصلت إلى استنتاج مفاده أن قبولها القرار الدولي 1441، والتزامها الحرفي بتنفيذه، سوف يعفيها من مصيرها المحتوم على أيدي الإمبريالية الأميركية التي لن تكف قبل أن تحقق برنامجها الاستعماري في العراق.
ومصدر خشيتي أن بغداد لم تفعل شيئاً بعد-بالرغم من أن الوقت الثمين يمضي سريعاً-لإعادة هيكلة النظام السياسي العراقي ديمقراطياً، وبإرادة وطنية بدلاً من تفكيكه وإسقاطه بإرادة الاستعمار… فالآليات المتوفرة فعلاً في القرار 1441 تلغي السيادة العراقية، وتسمح للمفتشين، تحت طائلة التهديد بالعدوان، الدخول إلى قلب النظام وعقله واختراق مؤسساته الإدارية والأمنية، بل و”تهريب” أو “اعتقال” أي مسؤول عراقي بحجة الحق في مساءلته عن أسلحة الدمار الشامل العراقية، خارج العراق.
إن التطبيق الحرفي للقرار 1441، سوف يؤدي، فعلياً، إلى انهيار النظام العراقي في النهاية أو، على الأقل، إشاعة فوضى عامة تتيح إسقاطه بقوى محلية وربما بمساعدة ضربات محدودة من سلاح الجو الأميركي. وإذا امتنعت بغداد عن السير السلمي في هذا الطريق، فستكون أمام تحدي العدوان الإمبريالي غير المسبوق.
***
لا شيء ينقذ العراق، اليوم، من الاستعمار… سوى الديمقراطية. ولا نعني الديمقراطية الليبرالية بالضرورة… بل ما نريده هو العودة الصادقة الحقيقية إلى نهج الجبهة الوطنية التقدمية التي تسمح لكل أطراف الحركة الوطنية العراقية بالمشاركة في القرار الوطني.
والمطلوب، اليوم، في العراق، حكومة وحدة وطنية وانتخابات حرة لجمعية تأسيسية ودستور دائم يكفل الحريات السياسية ويقيم دولة القانون.
***
مرة أخرى، أخشى أن القيادة العراقية قد اختارت تقديم المزيد والمزيد من التنازلات للإمبريالية لئلا تقدم “التنازلات” للشعب العراقي! وهو خيار عقيم. فالعراق أمام خيارين فإما حكم الشعب… وإمّا حكم الاستعمار الأميركي!

شركاء في القرار

بالمحصلة، لا بد من التركيز على الجوهري. وهو أن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، تراجع، في خطابه أمام الهيئة العامة للأمم المتحدة، تراجعاً الهدف منه إعادة بناء الموقف الدولي وراء قرار العدوان على العراق. فعتاة اليمين الحربجيون في الإدارة الأميركية، توصلوا إلى أنه ثمة في العالم والعالم العربي، معارضة حقيقية لخططهم إزاء العراق: بل إن الطبقة الحاكمة الأميركية نفسها ليست موحدة وراء تلك الخطط.
وحسابات هؤلاء المتعطشين إلى نفط العراق ودمه، قائمة على أساس أن الرئيس العراقي صدام حسين سوف يقع في الفخ، وسوف يرفض أن يعيد هو الآخر، حساباته. والمسألة، في النهاية، ليست مسألة مناظرة في الحق والحقيقة-فهذه يكسبها العراق من الجملة الأولى، ولكنها حسابات موازين القوى. وهي لا تعرف الاستسلام أبداً، ولكنها تتطلب المبادرة المضادة لمنع إعادة تكوين الموقف الدولي على مقاس اليمين الأميركي (وبالتالي الإسرائيلي!).
الوقت يمر بسرعة… ولا توجد لدى بغداد، مبادرات في حجم التحدي. فإذا كان الهدف الأسمى هو الحفاظ على استقلال العراق ووحدة ترابه ومؤسساته وحياة شعبه وإخراجه من أسوار الحصار الضاغطة على تطوره، فإنه يغدو من غير المفهوم أبداً، تقطيع الوقت في الاتجاهات الخاطئة… في إطار معادلة التنازل والرفض!
المسؤولية الوطنية والقومية إزاء العراق والمنطقة، هي، اليوم، مسؤولية جماعية. والقرار فيها ليس للرئيس العراقي وحده، بل لكل الوطنيين العراقيين… وللشعب العراقي… وللبلدان العربية المعنية. ولعل أقسى ضربة يمكن أن يوجهها الرئيس صدام للإدارة الأمريكية، هي أن يحيل الأمر برمته إلى حكومة عراقية منتخبة أو، على الأقل، إلى مؤتمر قمة عربي… فالعراقيون والعرب سيحملون النتائج على ظهورهم ولسنوات طويلة… وينبغي أن يكونوا شركاء في القرار.

Posted in Uncategorized.