حركة مهد المسيح

ناهض حتّر
أعلنت “حركة مهد المسيح لتحرير فلسطين”، يوم الإثنين 8 نيسان 2002، عن نفسها. وقالت، في بيان، أنها نفذت، في اليوم نفسه، أولى عملياتها التي أدت إلى مقتل وإصابة ثلاثة جنود إسرائيليين. وأضافت أنها، بذلك، تنضم إلى “حماس” و”الجهاد” و “كتائب الأقصى”، لكي “يتعانق الهلال والصليب في الكفاح ضد اليهود”.
ربما تكون الحركة وبيانها، يافطة إعلامية طارئة، استحدثت على عجل، للتحشيد ضد البربرية الإسرائيلية إزاء كنيسة المهد والمحتمين بها. وربما تكون رداً استولدته تلك البربرية التي تجرح مشاعر المسيحيين الدينية نحو أقدس كنائسهم.
وسواء أكانت “حركة مهد المسيح” يافظة إعلامية أم تنظيماً جديداً حقيقياً، فإننا نعتبر أن ممارسة العرب المسيحيين للكفاح الوطني تحت راية دينية خاصة بهم، هو تطور سلبي للغاية.
لقد لعب العرب المسيحيون، عموماً، دوراً مميزاً في الكفاح العربي ضد الصهيونية، بالقلم والبندقية. وتقول إحصائية إسرائيلية إن 50 بالمئة من الأدبيات العربية ضد الصهيونية وإسرائيل، كتبها عرب مسيحيون. ولم يقصر هؤلاء بالانضمام إلى الأحزاب الوطنية وحركات المقاومة المسلحة. وكانت نسبتهم فيها، دائماً، أضعاف نسبتهم من بين مجموع العرب، وخصوصاً في الأردن وفلسطين، حيث لعب العرب المسيحيون، أدواراً قيادية بارزة على هذا الصعيد.
العرب المسيحيون، إذاً، ليسوا مستجدين على الكفاح الوطني، إلّا أن مساهمتهم فيه، كانت تعبر، دائماً، عن ميول اندماجية، وعلمانية لا دينية، وتنويرية لا طائفية. ولذلك، لعب المناضلون العرب المسيحيون ذلك الدور الإيجابي الضروري (القادرين عليه ربما أكثر من سواهم، والمحتاجين إليه أكثر من سواهم)، وهو تحديث الحركة الوطنية العربيّة، وتعزيز طابعها العلماني، الوطني أو القومي أو اليساري؛ وأخيراً بث الوعي بأن صراعنا مع الصهيونية وإسرائيل هو صراع وطني تحرري ضد حركة رجعية استعمارية، وليس صراعاً طائفياً “ضد اليهود”. وبذلك، كان لمشاركة العرب المسيحيين في الكفاح الوطني العربي، دائماً، فائدة مضاعفة: نضالية وتنويرية. بالإضافة إلى فائدتها العملية في التحشيد السياسي في إطار الاندماج الوطني.
وإذا كان مطلوباً من العرب المسيحيين، في ظروف خاصّة ولخدمة أهداف قومية محددة، الإعلان عن وجودهم وموقفهم السياسي بصفتهم عرباً مسيحيين، فهذا شيء… وشيء آخر انخراطهم أو دعوتهم للانخراط في تنظيم مسيحي دائم، قد يكون له فائدة عملية أو إعلامية مؤقتة، ولكنها تظل أقل بكثير من آثاره الضارة بعيدة المدى.
***
لقد كان العرب المسيحيون، دائماً، قوة وطنية فاعلة تسعى إلى الاندماج والتنوير والتقدم؛ وحشرهم في تنظيم ديني خاص لا يساعد في تحقيق ذلك المسعى، بل ربما يعرقله.

Posted in Uncategorized.