بهدوء | الأردن، عشية انتقام السلفيين

بدأت أفواج من السلفيين الجهاديين الأردنيين، الذين تنادوا للقتال تحت راية «جبهة النصرة لأهل الشام»، بالعودة إلى الديار. أهناك مشكلات تنظيمية؟ أم أنها عملية تبديل؟ ولكنهم في النهاية ــــ كما نقل باحثٌ قابل عدداً منهم ــــ ليسوا متشائمين؛ لديهم تأكيدات بأن المعركة مع «النصيرية» ستُحسَم قريباً جداً، بالقصف الجوي الغربي للجيش السوري. سيسخّر الله الطيرانَ الصليبي، إذاً، لنصرة المسلمين في سوريا! فهل آن أوان الانتقال إلى الساحة الأردنية؟
هناك سبب للعودة لا يُفصح الجهاديون الأردنيون عنه، لكن هؤلاء، الذين انتظروا طويلاً أن يأتي زمانهم، يفكرون بالانتقام من سنيّ المطاردات والاعتقالات والتعذيب؛ يعتقدون بأن الساعة قد اقتربت، وسيركّزون، أولاً، على ضرب أهداف أمنية.
لا يفلسف الجهاديون الأردنيون حربهم في سوريا. يفاخرون، باسمين، بما ارتكبوه هناك، متلذّذين بالذكريات التي يسيل لها لعابهم من مشاهد الرؤوس التي اجتثوها بالبلطات، والأيادي التي قطعوها، والبطون التي بقروها لبشر أحياء «يعذّبهم الله بأيدي المجاهدين» ابتداء، قبل أن يذيقهم العلي القدير، العذاب الرسمي الأبدي في جهنّم، وبئس المصير!
بعدما نالوا في سوريا تدريباً إضافياً على القتال والقتل، وشبعوا من دماء أعداء الإسلام في الشمال، وأصبح لديهم فائض من المقاتلين ــــ وأغلبهم من أصول فلسطينية ــــ ألم يحن الوقت للتوجه نحو الغرب، للجهاد ضد إسرائيل؟ كلا. كلا. كلا. «اليهود أهل كتاب»! طيّب… ولكن، أليس المسيحيون السوريون «أهل كتاب» أيضاً؟ هؤلاء خرجوا عن الذمّة بموالاتهم النصيرية والشيعة. عافانا الله!
الحرب الإسلامية الجهادية المقدسة لها، اليوم، عدو واحد: الشيعة وفروعها، وحلفاؤها، مسيحيين مشرقيين ويساريين وقوميين وعلمانيين. وبما أن الصليبيين واليهود يخوضون الحرب نفسها، ضد العدو نفسه، يغدو مفهوماً منطق السلفيين الجهاديين في بناء التحالفات.
هل يبتعد الإخوان المسلمون، والإسلاميون الآخرون المقاتلون في سوريا، عن هذا المنطق الفظّ للسلفية الجهادية؟ ربما من حيث الشكل واللغة فقط، إنما، في العمق، التمرّد السوري المسلّح يستمدّ روحه وتكوينه الداخلي وحوافزه من أولوية العداء المذهبي للطوائف الإسلامية المارقة، بما يشرعن القتال ضدها، من إيران إلى ثوار البحرين والسعودية، إلى النظام العراقي والسوري وحزب الله. يحدد ذلك، صراحة وضمناً، جبهة الحلفاء: الولايات المتحدة وإسرائيل واوروبا الغربية.
ألعلّ وليد جنبلاط يسعى، حين يعلن أنه يؤيد «جبهة النصرة» ضد النظام السوري، إلى إنقاذ الدروز من المذبحة السلفية؟ مشكلته أن الدروز هم، عند السلفية، مسلمون مرتدّون، ويجوز ذبحهم بالتأكيد. أي أن جنبلاط لا يستطيع أن يقلّد ميشيل كيلو وسمير جعجع في طلب النجاة من خلال الانضواء في «المشروع السني» الليبرالي ـــ الجهادي؛ فالدرزي مطلوب بذاته، بينما المسيحي مطلوب لنصرته النصيرية والشيعة. هل يمكنك أن تفهم ذلك يا وليد؟
على أنه يتوجّب على كيلو وجعجع وأضرابهما من مؤيدي السلفية الجهادية أن يتحضّروا لدفع الجزية عن يد وهم صاغرون، أو الإيمان بالإسلام السلفي الجهادي، أو القتال. وعندها، لن تنفعهم السعودية وقطر وتيار المستقبل، لأن شرع الله واضح.
بعد تذبيح الشيعة والنصيرية والاسماعيلية والدروز، وتخيير المسيحيين المشرقيين بين الجزية أو الإسلام ــــ في طبعته السلفية ــــ أو الموت أو الهجرة، سيتفرّغ السلفيون الجهاديون لمقاتلة العلمانيين والمخالفين من السنّة؛ يقتضي ذلك من أساطين الليبرالية العربية ــــ خصوصاً اللبنانية ــــ التابعين للمستقبل والسعودية، منذ الآن، حفّ الشوارب وإطلاق اللحى وتحضير الدشاديش القصيرة والعمائم المناسبة و«أبواط» الرياضة، والتعوّد، مبكراً، على نبذ ما يخالف الشرع من دخان وكحول ومجالسة النساء وتفضيل معاجين الأسنان على السواك!
اليوم خمرٌ وغداً أمرٌ: كل مَن ليس سلفياً جهادياً تكفيرياً مهددٌ بالذبح، بالإذلال، بالتهجير، بالخضوع المعنوي والفكري والجسدي من قبل موجة طاغية من مجرمين عتاة يتلذذون بالموت والخراب. وأولئك الذين يسوّغون هذه الموجة، بدافع التعصّب المذهبي أو بدافع العداء للنظام السوري أو بدافع «التحرر» من هيمنة حزب الله أو إسقاط المشروع الإيراني أو مراضاة السعودية وقطر وتركيا الأردوغانية، سيدفعون الثمن غالياً جداً.
وأخشى أن الأردنيين الذين تساهلوا، مطولاً، مع هجرة السلفيين الجهاديين إلى سوريا، سيكونون أول مَن يدفع الثمن؛ فأغلب الظن أن العائدين، حفّزتهم روائح الدم في بلدهم، وجاؤوا لاستعادة تجربة حلب في ربوع الأردن.
تبقى ملاحظتان: لجنبلاط «المستعد للتحالف مع الشيطان» ضد الأسد، «باستثناء الإسرائيليين»: اعلمْ أن شيطانك في «النصرة» لا يخجل من التحالف مع اسرائيل، ولليبراليين: اعلموا أن «الإخوان» ليسوا سوى طبعة من «النصرة» تنتظر التمكين.

Posted in Uncategorized.