!”بدو”

حديث الخميس

ناهض حتّر
في صحافة الأمس، يقول الأستاذ حمادة فراعنة، بالنص، ما يلي: الأردن الذي نعتز به هو حصيلة هذه التعددية من الحجازيين والبدو، ومن الشركس والشيشان، ومن الشوام والعراقيين ومن الأكراد والفلسطينيين، ومن الحضر والفلاحين…” منهياً تعداده لمكوّنات سكّان الأردن، عند هذا الحد، ناسياً أربع أقليات أخرى، هي: الأقلية المصرية، والأقلية السيرلانكية، والأقلية البوسنية، وأخيراً الأقلية الأردنية، أعني الشرق أردنية!
وأنا أحتج على هذا النسيان أو التناسي الذي يُضمر روحاً معادية للتعددية. وإذا كان الأستاذ فراعنة-التزاماً منه بحرفية القانون-أهمل ذكر الأقليات التي لا تحمل جوازات سفر أردنية، فبماذا يبرّر إهماله ذِكْر الشرق أردنيين، وهم من حَمَلة الجواز الأردني؟
وقد يقول الأستاذ فراعنة أنه ألمح -إلماحاً-إلى الشرق أردنيين تحت بندي “البدو” “والحضر والفلاحين.” ولكن ألا ينقسم الحجازيون والشركس والشيشان والشوام والعراقيون والأكراد والفلسطينيون، بدورهم، إلى بدو وحضر وفلاحين؟ فلماذا سمّى الأستاذ فراعنة كل تلك المجموعات بالإسم القطري أو الاثني-أي، بالتالي، السياسي-بينما خصّ الشرق أردنيين بالتجاهل أو بالوصف السسيوديمغرافي؟!
منطق نص فراعنة يقول إن الانقسام إلى حضر وفلاحين يشمل جميع المكونات القطرية والاثنية “للأردنيين”، طالما أنه عدّد تلك المكونات -وذكر من بينها “البدو”-ثم انتقل، في مستوى آخر، إلى ذِكر التعددية السسيوديمغرافية (حضر/ فلاحون) بحيث يكون قوله “البدو”، في تعداده المنابت والأصول الأردنية، ينصرف، حصراً، إلى الشرق أردنيين!
الأستاذ فراعنة إذاً، لا يعترف بالوجود السياسي والهوية السياسية للشعب العربي الأردني في إطار القطريات العربية القائمة؛ وتينك الوجود والهوية ينحصران، عنده، في بُعدهما الاجتماعي الديمغرافي (بدو) ينضافون إلى مكوّنات -لكل منها وجوده السياسي وهويته القطرية أو الإثنية-تُشكّل ما يعرف “بالأردنيين”!
الأردن، عند الأستاذ حمادة فراعنة، صيغة سياسية؛ والأردنيون، عنده، أعني عرب شرق الأردن، أبناء المحافظات التاريخية الثلاث، ليسوا، في النهاية، سوى “بدو” يشاركون، بصفتهم هذه لا بصفتهم القطرية، في الصيغة تلك التي تتشكل من الحضور السياسي للمجموعات القطرية والإثنية التي سمّاها الأستاذ فراعنة بالأسماء الصريحة.
وبعد،
فمع أننا نحن، أعني العرب الأردنيين، أعني، على التمييز والحصر، عرب شرق الأردن، لسنا، كما تقرر المصادر التاريخية المعتدّ بها -مجرد “بدو”، بل مجتمع عربي تقليدي مكوّن من حضر وفلاحين وبدو… ومع أن البدو-البدو منا، لم يشكلوا من تعداد الشرق أردنيين، حتى في العام ١٩٢٠، سوى الأقلية؛ ومع أن جدي كان يسكن بيتاً حجرياً، ويملك متجراً عبر النهر، ويتابع الأخبار في الراديو…
مع كل ذلك، أحمد الله أننا ما زلنا “بدواً” ولم نصبح، بعد، “بدون”!

Posted in Uncategorized.