اخطاء واخطار حول الاردن

أخطاء وأخطار حول الأردن*****ما أسوأ حظنا نحن الأردنيين وما أسوأ حظ الأردن! فها نحن ما زلنا »بدواً« وبلدنا »كيانا مصطنعا«.. وسوى القصر وما يحدث فيه، فليس على أرضنا وفي حياتنا ما يغري الإعلاميين! يتجاهلنا الجميع… ولا أحد يدعونا الى »المائدة المفتوحة« لمناقشة مصيرنا، أعني مصيرنا نحن بالذات. رئيس السلطة الفلسطينية (بالاتفاق مع حزب العمل الاسرائيلي؟) يقترح لنا مصيراً: الكونفدرالية. واليمين الاسرائيلي يقترح مصيراً آخر: الوطن البديل. وفي الحالتين، الاقتراح واحد هو اختصارنا. وعلى كل حال، ما هي الفائدة من وجودنا: ألسنا »بدواً« وبلدنا »… مصطنعا«؟!كأننا لم نكن هنا.. على هذه الارض، أقله منذ مملكة الأنباط! أقله.. منذ حملنا امبراطورية بني أمية على الأكتاف! أقله.. منذ قاتلنا الصليبيين.. او.. منذ كسرنا شوكة الأتراك، وتلفعنا بالعلم العربي السوري، موحَّدين (نحن البدو!) على أننا »جزء لا يتجزأ من الكيان السوري« وحين جاءنا عبد الله (الاول) لم يكن عنده منفذ إلينا سوى مشروع لتحرير سوريا من الفرنسيين، تعلقنا به (المشروع) فأوصلنا الى المعاهدة الاردنية البريطانية لكننا لم نوقّع إلا بالدم على المصفحات الانجليزية، تحصد ثوارنا بالرصاص.حسنا. كان الملك عبد الله يريد ضم الضفة الغربية، ودخل الحرب بالتفاهم، ولكننا دخلناها انتصارا للعروبة، واعتصمنا بأسوار القدس حتى قطرة الدم الاخيرة، وحين حيل بيننا وبين القتال عنها، في حزيران الهزيمة، بكيناها دما وانخرطنا بالفداء!وما دمنا في دائرة التجاهل، فإننا مضطرون للتذكير بأننا أعطينا للمقاومة الفلسطينية من الرجال والتأييد، ما لا يقل عما أعطاه الفلسطينيون، قبل ان يصبح مشروع النظام الفلسطيني على الأرض، بالتحديد، هو سياسة النظام الاردني بالمقلوب، أعني إلحاق الاردنيين.. مثلما (انتقاما من..) سياسة إلحاق الفلسطينيين قبل العام 1967. وبعد؟ تصالح النظامان الاردني والفلسطيني علينا. اختلفا ويختلفان. تنافسا ويتنافسان. ولكنهما متفقان على شيء واحد هو إلغاؤنا.. فوجودنا (نحن البدو؟) يعرقل الحل الاسرائيلي للقضية الفلسطينية:فلسطين أرض بلا شعب.. لليهود.الأردن أرض بلا شعب.. للفلسطينيين.وفلسطين والأردن معاً للاستعمار الصهيوني (الاستيطاني في الاولى، والكولونيالي في الثاني)… فهل يوجد، في هذه اللوحة، مكان »للشعب الاردني«؟لا! ولذلك يتجاهله النظامان وإسرائيل والولايات المتحدة و»العرب« ووكالات الأنباء والمعلقون والباحثون!إذا حُمّ القضاء على امرئفليس له برٌ يقيه ولا بحرُوقد حُمّ القضاء على شعبنا. وإلغاؤه في الواقع، يتطلب، أولاً، إلغاءه في التغطية الاعلامية والبحثية. وهكذا يختصر الشعب الاردني المكون، طبيعيا، من حضر وفلاحين وبدو، الى مكون واحد من مكوناته: »البدو«.. غير المرتبطين بالأرض.. الذين بلا هوية!والمفارقة، هنا، ان المجتمع الاردني انتصر على البداوة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، في حروب دامية بين العشائر الفلاحية والقبائل البدوية.. انتهى بانتصار الفلاحين، وتكوين الحواضر والبلدات والمستقرات واللهجة والتراث الشعبي والعادات والتقاليد والذاكرة الجماعية والارتباط الداخلي بين المحافظات الاردنية الثلاث: الكرك، والبلقاء، وعجلون.أخضع الفلاحون في الديار الاردنية، البدو، ولكن البدو الذين صاروا فلاحين، أعطوا للتكوين الجديد بعض ملامحهم وثقافتهم. وهذا المزيج الفلاحي البدوي ربما هو الذي يميز النسق الاجتماعي الثقافي للأردنيين. ولكن ذلك لا يعني ان الاردنيين، بالمعنى الاجتماعي السياسي، »بدو«.. كما البدو!وفي الثلاثينيات والاربعينيات، حاول الانجليز، ولا سيما قائد »الجيش العربي« جون باجوت كلوب، استعادة البداوة المهزومة في الاردن، فأعطا للبدو البدو او للعشائر الفلاحية التي ترجع الى حالة البداوة، امتيازات أهمها »التجنيد«. ولكن المجتمع الاردني تغلّب على هذه المحاولة. وكانت »حركة الضباط الاردنيين الأحرار« في الخمسينيات (التي تمثل، بالأساس، حركة أبناء الفلاحين في المؤسسة العسكرية) هي التي أقصت كلوب وضباطه العام 1956 مثلما نجح أبناء الفلاحين، (الذين انتظموا في الأحزاب القومية واليسارية) في إلغاء المعاهدة الاردنية البريطانية (العام 1957) ليبدأوا مسيرة تحديث الاردن وتعريب سياساته في معركة متصلة، شهدت الجزر والمد، ولكنها تواصلت دائما، وتبلورت، منذ العام 1989، في حركة شعبية حية تعبّر عن نفسها، بدون كلل، في انتفاضات ونشاطات وتعبئة ضد التطبيع مع إسرائيل، وضد العدوان على العراق، وضد الخصخصة وإلغاء دور الدولة الاقتصادي الاجتماعي، ومن أجل الخبز والحرية.تُرى… ما هي الأتاوة التي يطلبها التاريخ منا لكي نكون؟حسنا: يبدو ان الامر صعب! ومع ذلك، فإن لدي من المعطيات ما يجعلني واثقا بأن شعبنا سيدفع أتاوة التاريخ مهما كانت دموية، ذلك انه: صحيح ان »الكيان« الاردني مصطنع، ولكن هذه الصفة لا تميزه. فهي تنطبق على جميع الكيانات العربية في آسيا على الأقل. وإذا كان »الكيان« مصطنعا، فالبلد ليس كذلك، والناس ليسوا كذلك.. وارتباط الناس بالارض.. ليس كذلك.أما المجتمع الاردني.. فالمفارقة انه لعلم وكالات الأنباء لم يعد فيه »بدو«.. على الإطلاق!

Posted in Uncategorized.