إنها معركة في حرب طويلة

ناهض حتّر

لا عويل ولا نواح! إنها معركة. ولا مهرب منها. ولها استحقاقاتها وأثمانها. ولسنا فيها كالنعاج. فالامة امتان؛ وكل القوى الاجتماعية العربية المضادة للتحالف الأميركي-الإسرائيلي، تقاتل… بالسلاح في الميدان الصغير (فلسطين… ولبنان) وبمظاهرات عودة الوعي على الذات القومية وحقوق الإنسان والمواطن في الميدان الكبير من المحيط إلى الخليج.
ولسوف تنتهي هذه المعركة… بنصف انتصار، نستطيع أن نحدد ملامحه منذ الآن. فالبرنامج الشاروني له شقان: أمني وسياسي. ومن الواضح، بالنظر إلى موازين القوى العسكرية، أن جيش الاحتلال ينفذ وسوف ينفذ الجزء الأكبر من الشق الأول: اغتيال واعتقال قسم أساسي من “المطلوبين”، وجمع ما أمكن من السلاح، وشل شبكات المقاومة-مؤقتاً– بتقطيع أوصالها واتصالاتها. كذلك فإن تحطيم البنى التحتية وإرهاب المواطنين بالقصف والحصار والتجويع والاعتقالات، سوف يشيع مناخاً ضاغطاً على المقاومة. بيد أن كل ذلك، سيكون، في النتيجة، مرحلياً؛ لأن الشق الثاني، السياسي من البرنامج الشاروني … فشل بالكامل. وذلك لأن مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة، لم يكن حاضراً بمثل هذه القوة، مثلما هو الآن. لقد سدد الفلسطينيون، بالصمود والمقاومة، قسماً كبيراً من إتاوة التاريخ، وأظهروا أن مشروعهم الوطني غير قابل للإلغاء، مثلما أظهرت الجماهير العربية مساندتها الكاملة لهذا المشروع الذي يفرض نفسه على أجندة السياسية الدولية.
يقول الثعلب شمعون بيريز إن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. قد استحوذ، في هذه الأزمة، على شعبية كبيرة تمكنه من أن يفعل ما يريد لاحقاً. ويقول الأستاذ محمد حسنين هيكل إن ذلك يشكل خطراً بالفعل. وقد يكون ذلك صحيحاً على أن نرى التفاعلات اللاحقة في جدلها. فشعبية الرئيس عرفات سوف تمكنه، بالطبع، من حرية اتخاذ القرار… ولكنها في الوقت نفسه، سوف تقيده بالتزامات. ونحن نعتقد أنه سيدير هذه المعادلة المعقدة بتقديم تنازلات أمنية والتشدد سياسياً. وهل سيفرض ذلك قيوداً جديدة على حركة المقاومة الفلسطينية؟ بلا شك! -ومؤقتاً– فهذه الحركة النابعة من الضرورة التاريخية للتكوين الاجتماعي–السياسي الذي يبلور وطنيته الجديدة الصاعدة في الضفة الغربية وغزة، لا يمكن سحقه بالدبابات أو بالاعتقالات أو بالتنازلات الرسمية. وفي المحصلة، عندما ينجلي غبار العدوان الإسرائيلي الراهن– وما قد يتلوه من اتفاقات– عن عمليات استشهادية جديدة في العمق الإسرائيلي، ستكون الشارونية قد سقطت، سياسياً وأمنياً.
***
إنها معركة … في حرب طويلة. وميدانها أكبر من فلسطين.

Posted in Uncategorized.