آفاق جديدة يفتحها «الفيتو» الروسي -الخروج من عنق الزجاجة عبر البوابة العراقية

العرب اليوم
شؤون أردنية
ناهض حتر
ينبغي الاعتراف بأن شبح الفيتو الروسي، هو الذي أطاح بالمشروع الأميركي-البريطاني-المعروف «بالعقوبات الذكية» ضد العراق في مجلس الأمن الدولي، وأتاح للمشرق العربي بالتالي، أن يتنفس الصعداء، بيد انه لابد من التذكير بأن محاولة روسيا استعادة دورها الدولي عبر البوابة العراقية، ما كانت ممكنة لولا صمود العراق وشعبه البطل، وان هذا الصمود ما كان له كل هذا التأثير، لولا الوقفة الشجاعة المسؤولة التي وقفتها عمان ودمشق ضد «العقوبات الذكية» وهذا درس في السياسة الدولية، يا ليتنا ندرك معناه وآفاقه.
القوة-مهما عظمت-لها حدود، وموازين القوى ليست معطيات ثابتة مطلقة، بل هي عملية متحركة نستطيع أن نسهم-مهما كان حجمنا صغيراً-في تعديلها، إذا توفرنا على الإرادة السياسية الصلبة المستندة إلى مصالحنا الوطنية.
لقد استهدفت الولايات المتحدة الأميركية، وتابعتها البريطانية، من وراء فرض العقوبات الذكية المشددة ضد العراق وشعبه، ليس فقط، تصعيد الحرب الاستعمارية ضد بغداد لتركيعها أمام لصوص شركات النفط الأميركية، ولكن أيضاً، وبالقدر نفسه، تركيع عمان ودمشق أمام الإرهابي أرئيل شارون.
بالنسبة للأردن شكلت «العقوبات الذكية» محنة وطنية بمعنى الكلمة… رفضها يضع البلد في مواجهة مفتوحة مع واشنطن، وقبولها يعني انهيار الاقتصاد الأردني، مقدمة للخضوع الأردني للمشروع الشاروني المتمركز حول سيناريو من سيناريوهات «الترانسفير» و«الوطن البديل».
وبالنسبة لسورية ربما كانت الصورة أقل قسوة، سوى ان دمشق كانت أمام هجمة أميركية دولية محتملة يمكن تصعيدها في أي لحظة بحجة عدم امتثالها لتطبيق القرارات الدولية، ما يكشفها أمام الحرب الشارونية.
وبالرغم من المخاطر، رفضت عمان ودمشق، «العقوبات الذكية» وهو ما أسهم، فعلياً في إسقاطها، فالعقوبات تلك، المصممة لخنق العراق بواسطة خضوع جيرانه لفرق التفتيش الدولية على الحدود العراقية، ما كان لها أن تنجح واقعياً، بدون الموافقة الأردنية والسورية. وقد تبين للولايات المتحدة الأميركية أن العاصمتين العربيتين ليستا في هذا الوارد… فلا الدور الإقليمي السوري ولا واقع الاقتصاد الأردني، يسمحان بذلك.
وهذه مناسبة لكي يقف الشعب الأردني على أرض واحدة مع حكومته، باتجاه القيام بدور أردني أكثر مثابرة وقوة واتساعاً في كسر كل أشكال الحصار على العراق الشقيق، بل إن التصعيد الأردني الآن ضد ذلك الحصار اللئيم، دبلوماسياً، وسياسياً وعملياً ورسمياً وشعبياً ربما كان المهمة المركزية على الأجندة الوطنية الأردنية ليس فقط، لكي يستعيد بلدنا شيئاً من عافيته الاقتصادية، بل وبالأساس، لكي يستعيد مكانته العربية والإقليمية وقدراته الوطنية وكل ما خسره على هذه الصعد.
ولم لا؟ ما الذي يضطرنا إلى البقاء في إسار سياسات السلام الثنائي مع إسرائيل، والتي ثبت فشلها بالكامل؟ وما الذي يضطرنا إلى تصغير أكتافنا في مواجهة الخطط الشارونية لإلغائنا؟ ما الذي سنخسره سوى قيودنا في عملية نستعيد فيها حرية قرارنا السياسي، ونعيد من خلالها، بناء الإجماع الوطني القادر وحده، على عزل القوى المتربصة بالأردن، من الخارج… ومن الداخل؟!
***
للخروج من عنق الزجاجة الذي تشكله الضغوط الاقتصادية، الإسرائيلية-الأميركية، المترافقة (وربما المتحالفة) مع ضغوط القوى الإقليمية المعادية للكيان الأردني نحتاج، قبل كل شىء، إلى مشروع سياسي كبير قادر على كسر كل تلك الضغوط معاً، وهذا المشروع ممكن، واقعياً، عبر سلسلة من الخطوات الجريئة على طريق رفع الحصار الجائر عن العراق، من جانب واحد، وربما وهو الأفضل بالتنسيق مع سورية.
***
ونحن ندرك، بالطبع، أن مشروعاً كهذا يحتاج إلى إرادة سياسية صلبة ولكننا، مع ذلك نشير إلى الإمكانية التاريخية القائمة، بوصفها بديلاً عن القنوط والأوهام والمخاوف.
إن إطلاق مبادرة أردنية لكسر الحصار عن العراق، سيكون بحد ذاته، أساساً لتفعيل إرادة سياسية وطنية قادرة على مجابهة سندان الضغوط الإسرائيلية الأميركية، ومطرقة «الوطن البديل».

Posted in Uncategorized.