سياسة بديلة (1-2)

ناهض حتّر
الاجابة جاهزة. تتكرر بالنص المحفوظ في كل مرة، يطرح فيها السؤال حول ضرورة اعادة النظر في العلاقات الاردنية-الاسرائيـلية. الاجابة تقول:«الاردن يستغل علاقاته مع اسرائيـل لمصلحته ومصلحة اشقائه العرب».

لديّ، اولا، ملاحظة فنية: اين الابداع؟ لقد اصبحت هذه الاجابة، كليشيه تكرارها ممل، وتفتقر الى الخيال السياسي والاعلامي لتطوير اجابات دينامية تتعامل مع المتغيرات.

الاجابة تحيل النقاش الاستراتيجي الى نقاش اخلاقي. وهي معدة لمواجهة المشككين بنوايا المسؤولين الاردنيين ودوافعهم ازاء التمسك بالسياسة الراهنة تجاه الامريكيين والاسرائيـليين. انا -شخصيا-لا اشكك بالنوايا والدوافع. فكل سياسة تنطلق من منظور استراتيجي لا علاقة له بالاخلاق، بل بالاهداف والوسائل.

السياسة الاردنية لها ثلاثة اهداف مركزية هي (1) الحفاظ على الكيان الاردني ودرء خطر الوطن البديل (2) تأمين الاستقرار الداخلي والامن المحلي والنأي بالبلد عن مفاعيل الصراع العربي-الاسرائيـلي (3) تأمين تدفق المساعدات والاستثمارات.

ولا اريد ان اتوقف هنا للسجال حول الفئات الاجتماعية التي تستفيد، بالدرجة الاولى، من الهدف الثالث. ولكن اشير فقط الى انها تتمثل في اقلية لا تزيد على 2 بالمئة. ولا تعني الاغلبية الشعبية التي تنوء تحت اعباء الافقار والتهميش.

استقرت السياسة الاردنية على ان تحقيق الاهداف اعلاه، يتم عبر وسيلة وحيدة هي التحالف غير المشروط مع الولايات المتحدة، والحفاظ على علاقات ثنائية مستقرة مع اسرائيـل.

نحن، اذاً، لا نناقش السياسة الاردنية ازاء امريكا واسرائيـل من زاوية اخلاقية. وليس في قاموسنا التشكيك والتخوين والمزايدات. فاعتراضنا ينصب على جدوى هذه السياسة. لقد اثبتت الوقائع والتطورات انها غير مجدية، وهي – ان كانت تحقق، جزئيا، الهدف الثالث «المساعدات والاستثمارات» وهو هدف فئوي لا يخدم الجميع – فانها، بالمقابل تقوض قدرة الاردن على تحقيق الهدفين الوطنيين المتمثلين في درء خطر الوطن البديل والحفاظ على الاستقرار والامن المحلي.

استطاعت السياسة الاردنية القائمة تقديم خدمات لها طابع انساني محض بالنسبة للاشقاء في فلسطين ولبنان والعراق، وذلك بكلفة سياسية باهظة تنال من سمعة الاردن وصورته العربية، لدى حساب الارباح والخسائر السياسية جراء الدور الانساني الاردني في الصراع العربي الاسرائيلي، نجد اننا امام خسارة صاخبة وفادحة، وهي على كل حال، خسارة هامشية الى جانب الخسارة الاستراتيجية التي تلوح في الافق.

لم تؤد معاهدة وادي عربة – وما تلاها من قيام وتعزيز العلاقات الاردنية الاسرائيلية – الى تحقيق الهدف الجوهري منها وهو «دفن الوطن البديل» والحفاظ على الكيان الوطني الاردني، فمنذ العام 1994 – تاريخ توقيع «المعاهدة» وحتى الان واصلت اسرائيل سياسة الاحتلال والعدوان ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك زيادة مساحة وكثافة المستوطنات وبناء الجدار العازل، والقمع اليومي للمدنيين وتهويد القدس واقتطاع الاراضي، والحيلولة بالتالي دون قيام الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة، ويتحمل الاردن اعباء هذه السياسة الاسرائيلية المتجهة نحو هدف مركزي هو تصدير القضية الفلسطينية الى شرقي النهر.

لم يجر التقدم خطوة واحدة في مجال عودة اللاجئين والنازحين بالعكس: النزيف الديمغرافي من الاراضي الفلسطينية لم يتوقف منذ الـ 94 وحتى الان.

علاقات الاردن مع اسرائيل قد تفيد في تأمين مساعدات انسانية لضحايا الاعتداءات الاسرائيلية، لكنها لا تمنع هذه الاعتداءات ولا توقفها ولا تخفف من غلواء العسكرتاريا الاسرائيلية النزاعة الى الحرب وهو ما يضغط في النهاية على الامن الوطني الاردني.

بل ان العلاقات الاردنية-الاسرائيلية لم تؤد حتى الى تسوية قضية انسانية ملحة هي قضية الاسرى الاردنيين في السجون الاسرائيلية.

بالخلاصة، نستطيع القول ان السياسة الاردنية ازاء الولايات المتحدة واسرائيل، غير مجدية ومن المرجح ان يكون لها نتائج سلبية على الاردن في المدى المنظور، وقد اصبح التوافق الوطني على سياسة بديلة، ضرورة ملحة.

«يتبع»

Posted in Uncategorized.