خصخصة… المديونية العامة؟

ناهض حتّر

غير أن التحول من الليبرالية الاقتصادية إلى المدرسة الاجتماعية، ليس ممكنا مع استمرار استراتيجية الخصخصة باعتبارها عقيدة قومية وديناً جديداً.
التحول إلى المدرسة الاجتماعية -لتلافي الضغوط الداخلية والاقليمية -يتطلب وقفة مراجعة شاملة لاستراتيجية الخصخصة…
أولاً-باتجاه اعتمادها كأداة فنية، تعمل وفق الشروط الفنية، وليس كعقيدة يتم تنفيذها بقرارات ادارية او من اجل الحصول الفوري على السيولة.
فهذا النهج الذي اتبعناه منذ أواخر التسعينات أدى الى كارثة بالمعنى الحرفي (أ) لأنه لم يجلب استثمارات حقيقية جدية مطورة للقطاعات، ومشغلة لقطاعات أخرى مستجدة، بل كان عملية متاجرة استفاد منها المشترون بسرعة ويسر، وحصدوا في بضع سنوات، أضعاف ما «استثمروه» في شراء موجوداتنا الوطنية، بحيث أن صافي الاستثمار الاجنبي في المؤسسات المخصخصة هو بالسالب (ب) لأن بيع المؤسسات الوطنية لم يؤد إلى تطويرها تكنولوجيا او تطوير مؤسسات ونشاطات وطنية رديفة او تعميق الاستثمارات الحاصلة، بل كل ما حدث هو تطوير في دوائر التسويق والاعلان لا غير (ج) لان اموال الخصخصة «عائدات بيع الموجودات الوطنية، غير المتكررة» جرى هدرها في برامج غير مسؤولة، كان الهدف الوحيد منها تقوية النفوذ السياسي والمالي للأوساط المرتبطة «بالليبراليين الجدد» وطبقة رجال الاعمال «الديجتال» (د) لان الخصخصة لم تؤد الى مراكمة خبرات اردنية في التكنولوجيا او الادارة، وزادت، في الاخير، من اعتمادنا على الخبراء الاجانب في القطاعين العام والخاص.
ثانيا-باتجاه انقاذ ما يمكن انقاذه من أموال الخصخصة، وما قد يأتي منها في عمليات بيع ينبغي ان تخضع كلياً للضرورة الفنية وانفاقها فقط في مجال وحيد هو سداد المديونية العامة.
فمن دون الخلاص -التحرر من عبء الدين العام، اقساطاً وفوائد، لا يمكن تحرير الموازنة، واعادة بنائها على اسس اجتماعية وتنموية.
ولقد سبق لي ان قدمت اقتراحاً جذرياً فيما يتصل بتحرير الموازنة من عبء المديونية العامة، لم تلتفت اليه أية حكومة من حكومات الليبرالية الجديدة. واعيد، هنا، خطوطه العريضة:
(1) توحيد جهة الاقتراض «حالياً: وزارة التخطيط» وجهة السداد «وزارة المالية» في مديرية واحدة تخضع، حصرياً، لولاية وزارة المالية. ان وجود وزارة تقترض واخرى تسدد، يخلق، موضوعياً، فوضى هيكلية في الدين العام، ويخرجه من آليات الضبط المحكمة.
(2) انشاء مؤسسة مالية وطنية مستقلة بمساهمة الحكومة والبنوك الأردنية العاملة وتحال إليها أموال الخصخصة وكذلك ودائع البنوك والافراد، وتحتكر التعامل بالمديونية الأردنية في السوق العالمية والمحلية، شراء وبيعاً، على أسس تجارية، وذلك بضمانة الحكومة وموجودات القطاع العام التابعة للخصخصة على اسس فنية. وسوف تكون «هيئة التخاصية» تابعة لهذه المؤسسة، وخاضعة لقراراتها وبما ان «مؤسسة الدين العام» هذه، هي الملتزمة بالمديونيات وسدادها ازاء البنوك والصناديق العالمية، فسوف تتحرر الموازنة العامة من قسم كبير من أعباء المديونية العامة حتى تاريخه. وتستطيع وزارة المالية، عندها، ان تضبط ايقاع القروض الجديدة وسدادها في سقف لا يتجاوز الـ 20 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي.
(3) أخيراً، سوف توفر شبكة الأمان الاجتماعي كوبونات غذائية للأسر الفقيرة بالحد اللازم من السعرات والـ فيتامينات للأطفال والنساء. وذلك، أيضاً، كحق دستوري.
وكل ذلك يجب ان يكون مضبوطاً في هيئة واحدة مركزية تنسق النشاطات على مستوى المملكة، بالحد الادنى من المصاريف الادارية والحد الاعلى من الكفاءة، وبقيادة اشخاص من قلب الشعب.

Posted in Uncategorized.