تونس تنتفض مجددا؛ البديل الاجتماعي

يبدو التاريخ العربي وكأنه يدور في حلقة مفرغة؛ ملايين العاطلين من العمل والمفقَرين والمهمَّشين التوانسة، الذين بدأوا انتىفاضات ما يُسمى ‘ الربيع العربي’ في أواخر العام 2010، يعودون في أوائل العام 2016، إلى ميادين الانتفاضة الاجتماعية. المطالب هي ذاتها، لكن الحراك الشعبي، هذه المرة، يائس وعنيف، ولا يحظى بالدعم الغربي والخليجي، وبدلا من أن يقود إلى انتخابات يفوز فيها الإسلاميون وممثلو النظام القديم، ربما يفوز الإرهابيون الذين ينتظرون الفوضى للإنتشار والسيطرة، وإلحاق تونس بالوضع الكارثي كما في الجارة ليبيا.ما الذي حدث ويحدث؟
بات الأمر واضحا:
ـ يتحرّك المحتجون الاجتماعيون من أجل الشغل والخبز والكرامة الإنسانية، ويبذلون التضحيات الجسام، ويزعزعون النظام القائم؛ لكنهم بلا قيادة حزبية تتمثَّل مصالحهم ومطالبهم؛
ـ عندها يقع الحراك، كما حدث في العام 2011، تحت سيطرة قوتين منظمتين مدعومتين من قوى إقليمية ودولية، كما من قبل الرأسماليين المحليين. هاتان القوتان هما : الإسلاميون الذين ينزاحون بالحراك عن أهدافه الاجتماعية نحو شعارات ‘ ديموقراطية’ مكللة بالدين، هدفها الوصول إلى السلطة بأي ثمن، وأركان الدولة العميقة الممسكون بمفاصل الدولة والإقتصاد والمجتمع؛
ـ يصطرع الجانبان، كما في مصر، أو يتوافقان على تقاسم السلطة، كما في تونس.
ـ حزب الإخونج التوانسة، حركة النهضة، وحزب الدولة العميقة، ندائ تونس، توصلا إلىت صيغة سلمية حظيت بإعجاب دولي، لتقاسم السلطة؛ لكن المضمون الاقتصادي الاجتماعي لنهج السلطة، بقي كما هو: النيوليبرالية والكمبرادورية وأولوية مصالح الشركات ورجال الأعمال والمستثمرين وهيمنة فوضى اقتصاد السوق، وتاليا المزيد من العاطلين من العمل، والمزيد من الفقر والتهميش، خصوصا في المحافظات.
ـ كل ما تغيّر في تونس الثورة هو أنها أتاحت الفرصة لمشاركة الإخونج في الحكم. وإذا كان لهؤلاء، القدرة التنظيمية والمالية علىت حشد الفقراء وراءهم؛ فإنهم يحشدونهم في خدمة الأغنياء والتجار والمستثمرين والشركات الأجنبية، ويفيدون من السلطة لتدعيم نفوذهم والإثراء وإعادة انتاج الفساد.
ـ وهكذا، يعود الجوعى إلى الشارع مجددا، أكثر عنفا؛ لكنهم، أيضا، بلا قيادة تعبّر عن إرادتهم. وطالما أن الحل الإسلامي الانتخابي فشل، تتهيأ الفرصة الثمينة للتنظيمات الإرهابية في الأرياف؛ يهيمن هؤلاء على المجتمعات المحلية بالآيديولوجيا والسيف، ويديرون اقتصاد الجوع المحلي بالنهب، مستعيدين نموذج اقتصاد الصحراء القائم على تمويل الجماعة المحلية بالغزو والسلب، والانحطاط بالإحتياجات الاجتماعية والإنسانية إلى ما قبل الحضارة، وإباحة الجنس، ما يتطلب تشييء النساء أي تحويلهن إلى أشياء.
أهذا هو المصير؟
×××
ـ الموجة النيوليبرالية التي اجتاحت العالم العربي ـ وعناصرها الخصخصة واقتصاد السوق الحر وجذب الاستثمارات ـ اتجهت ، حكما، نحو قطاعين، المال والعقارات، وهمّشت القطاعات الانتاجية وألحقت بالريف أسوأ الأضرار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية؛
ـ وهذا هو الأساس الذي أنتج سياق المعارضة الشعبية (غير المنظمة بالضرورة لأنها معارضة فئات هامشية متذررة خارج المؤسسات وخارج العمل)
ـ ما أتاح لليبراليين أن يروّجوا كذبة ‘ البديل الديموقراطي’ ـ وهدفهم من هذه الكذبة، تفكيك ما بقي من الدولة الوطنية لصالح السيطرة الشاملة لقوى السوق المعولَم؛
ـ وما أتاح للإسلاميين أن يروّجوا أنفسهم كقوة قادرة على إدارة اقتصاد السوق المعولَم وضبط الغضب الشعبي في آن واحد.
… وها هي تونس تثبت أن البديلين فاشلان، ويقودان، في أحسن صورهما، إلى فوضى يسيطر من خلالها الإرهاب.

الحل الوحيد الممكن لإنقاذ البلدان والمجتمعات العربية، هو الحل الاجتماعي:
ـ التنمية الشعبية في الأرياف، الزراعة للإستهلاك المحلي وللأمن الغذائي لا للتجارة،
ـ التصنيع الكثيف بدعم الدولة و الحماية الجمركية،
ـ بسط سيطرة الدولة على الاقتصاد الوطني، التراجع عن خصخصة المناجم والخدمات،
ـ تنويع العلاقات الدولية،
ـ وقف جنون تسليع الأرض، ووقف سيطرة رأس المال المالي لصالح نظام مالي مصمم لتمويل التنمية،
ـ إشراك الجيوش في العمليات التنموية،
ـ الضرائب والرسوم التصاعدية،
ـ سيطرة الدولة الكاملة علىت قطاع الطاقة، واخضاعه للمعايير الإنتاجية والاجتماعية،
ـ حرية تأسيس النقابات.
هذه المهمات وغيرها لا يمكن النهوض بها من قبل الليبراليين والإسلاميين، وإنما من خلال جبهة تجمع بيروقراطية الدولة والعسكر والوطنيين وممثلي الريف والنقابات العمالية والاتحادات الفلاحية وقوى اليسار. وعلى الأخيرة واجب سياسي وأخلاقي لبناء تلك الجبهة القادرة على إنقاذ بلادنا من الدمار.

Posted in Uncategorized.