بهدوء | 2118، مرحلة جديدة

كرّس قرار مجلس الأمن الدولي 2118، الخطوط العامة لمسار التسوية الروسية ــــ الأميركية حول سوريا، بما يعكس ميزان القوى الجديد، إقليمياً ودولياً؛ فلقد أصبحت الخيارات السلمية التي نافح عنها محور موسكو ــــ طهران ــــ دمشق، محلّ اجماع أممي، بما في ذلك تلافي الحرب الشاملة، وإقرار طاولة الحوار السوري في جنيف 2، وعزل السياسات والجماعات المتطرفة التي تنبذ الحل السياسي، وتهدف إلى إقامة إمارات دينية مذهبية رجعية في الأراضي السورية.
وقد انعكس المناخ التسووي هذا، فوراً، في مبادرة أميركية غير مسبوقة لتطبيع العلاقات مع إيران. وبالخلاصة، نستطيع القول إن الولايات المتحدة قد وجدت، أخيراً، أن الواقعية العقلانية تمثّل أفضل الحلول لأزمة الحضور والنفوذ الأميركيين في المنطقة، وبالتالي، فقد تقدمت للاعتراف بحضور ونفوذ المحور المضادّ.
السعودية وإسرائيل صُدمتا من التطورات المتلاحقة هذه؛ الأولى عبّرت عن غضبها بينما كظمت الثانية غيظها، لكنهما التقيا فوراً في نيويورك، صُحبة الدبلوماسية الخليجية والأردنية، لتنسيق المواقف، خصوصاً إزاء التقارب الأميركي ــــ الإيراني. الآن، ستبدأ واشنطن بالضغط لإحداث تغييرات داخلية في السعودية؛ ستتم الإطاحة برئيس الاستخبارات، بندر بن سلطان، وبمشروعه للحسم في سوريا بواسطة التحريض المذهبي والطائفي والتجييش الإرهابي. لكن، على مدى أبعد، سيعمل الأميركيون، في حال حدوث تقدّم جدي في العلاقة مع الإيرانيين، كلَّ ما في وسعهم لدعم برنامج إصلاحي معتدل في السعودية؛ ليس فقط وقف صلات التمويل والتسليح مع المنظمات الإرهابية، وإنما، أيضا وبالأساس، الدفع نحو تسوية أوضاع المواطنين الشيعة في السعودية والبحرين.
هل نكرر، هنا، ما قلناه سابقاً ومراراً، من أن الولايات المتحدة، المنسحبة من الشرق الأوسط إلى وسط آسيا، عملت طويلاً على أساس برنامج إسرائيلي ــــ خليجي (مشروع الشرق الأوسط الجديد، المهزوم في لبنان 2006)، ثم تركي خليجي اخونجي، وتالياً إرهابي، بدا أنه انتصر في ما يسمى «الربيع العربي»، قبل أن يسقط في سوريا؛ فماذا يبقى، أمام الأميركيين، سوى الذهاب نحو التسويات. وهذه لها متطلباتها، السهلة التنفيذ في الخليج، والصعبة التوفيق في إسرائيل.
بالنسبة لإسرائيل، فإن الإدارة الأميركية، تملك، الآن، أوراقاً رابحة؛ فأولاً، حققت واشنطن هدفاً إسرائيلياً بالخلاص من خطر الكيماوي السوري، وثانياً، جنّبت إسرائيل أخطار الحرب، وثالثاً، أصبح لديها حجة واقعية على امكانية حل الملف النووي الإيراني بالدبلوماسية، وهو ما يلائم، رابعاً، المزاج السلموي للرأي العام الأميركي. ليس للإسرائيليين، لدى واشنطن، مكان في سياساتها الإقليمية والدولية، إنما لديها جائزة كبرى هي تأمين نجاح مشروعها في فلسطين والأردن: الحدود والأمن والدولة اليهودية والوطن البديل.
خرج الفلسطينيون والأردنيون من أزمة «الربيع العربي»، محطّمين؛ فالسلطة الفلسطينية، المتروكة وحدها من دون تحالفاتها الحامية السابقة في ما كان يسمى محور الاعتدال، منخرطة في مفاوضات إذعان وفق جدول الأعمال الإسرائيلي. فقدت «السلطة» حلفاءها التقليديين، وفقدت القضية الفلسطينية مكانتها في معمعان التغييرات التي شهدها العالم العربي، وخصوصاً في ما فرضته الأزمة السورية من أولويات لدى جميع الأطراف المتنازعة. «السلطة»، الآن، تحت رحمة إسرائيل. والمأساة أن هذه النتيجة لا تعكس ميزان القوى الجديد في المنطقة، بقدر ما تعكس خيارات رام الله. أما القوة الفلسطينية الثانية، حماس، فقد كانت تملك فرصة ذهبية لكي تكون لاعباً في التسوية الكبرى الجارية الآن في الإقليم، لكنها بدّدت تلك الفرصة باختيارها ــــ جراء بنيتها الفكرية المذهبية الرجعية ــــ مغادرة محور المقاومة، والانخراط في المعسكر التركي الخليجي الإخونجي المعادي للدولة السورية. وبهزيمة هذا المعسكر، غرقت حماس في رمال التيه؛ خسرت سوريا وأنصارها في الحركات القومية واليسارية العربية، ثم تورطت في الصراع الداخلي مع الدولة المصرية، لتخسر، أيضاً، أغلبية المصريين، بينما تهتز الأرض تحت أقدام حلفائها من قطر إلى تونس إلى السودان. ويحاول تحالف طهران ــــ حزب الله، إنقاذ ما يمكن إنقاذه من حماس، واستعادتها إلى محور المقاومة. وربما تنجح هذه المحاولة في إدامة الصلات مع مقاومين حمساويين، لكن، على المستوى السياسي، لم يعد ممكناً إحياء حماس التي فقدت رصيدها العربي ومكانتها وسمعتها.
مأساة الأردن لا تقل عن مأساة فلسطين؛ فالدولة الأردنية، تدور، اليوم، في الفراغ؛ ليس لها مكان في المنظومة الخليجية، ولا تستطيع الاعتماد على مصر غير المستقرة، ولا تجرؤ على تنويع خياراتها بالتقارب مع محور المقاومة، ولا تزال تلهث لإرضاء السعودية، بينما يترك لها الأميركيون خياراً وحيداً هو المظلة الإسرائيلية. وهو ما يعني الوطن البديل.

Posted in Uncategorized.