بهدوء | واشنطن ـ طهران، وبينهما إسرائيل والسعودية

حين يُعلن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أن الخيار العسكري ما يزال مطروحاً إزاء إيران، فإن التعليق الوحيد الممكن هو ابتسامة هازئة تليق بالمشهد العاطفي لاحتضان ولد مصاب بهستيريا الذعر، وتهدئته بوعود ليست قابلة للتطبيق؛ الولد المذعور هو رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو. بعد ذلك، ستمضي الحياة الواقعية في مسارها.
لم تمض أسابيع قليلة، بعد، على اكتشاف العالم كله، عجز الولايات المتحدة عن شنّ الحرب على سوريا. عجز ظهر في قبولها التلقائي لحبل النجاة الروسي، والانتقال من ذروة التهديد والوعيد إلى الامتثال لعقلانية التسوية الشاملة، بديلاً عن حرب شاملة سعى الأميركيون إلى تلافيها من خلال اتصالات مع الروس، ثم مع الإيرانيين، يرجونهم السماح للبارجات الأميركية بإطلاق بضعة صواريخ على الأراضي السورية من دون ردة فعل!
لكن، دعونا من تفاصيل مواجهة أصبحت معروفة، لنسترجع السياق الاستراتيجي للحدث الرئيسي المتمثل في التقارب الأميركي ــــ الإيراني؛ فمن الضروري، هنا، التنبيه، مرة بعد مرة، إلى أن الولايات المتحدة التي تسعى إلى التخفّف من حضورها الكثيف في الشرق الأوسط (لصالح حضورها في آسيا) توصّلت إلى قناعة بفشل المحور التركي الخليجي الإخواني في إدارة المنطقة، وانتقلت إلى التفكير العملي بالذهاب للتفاهم مع المحور المضادّ. وقد أصبح ذلك ممكناً بعد إزالة عقبة أساسية في طريق هذا التفاهم، أي الأزمة السورية التي جرى التوافق مع الروس على حلّها وفق أسس ترضي طهران، وتكفل استمرار التحالف الإيراني السوري، وامتداده في مقاومة حزب الله في لبنان.
أذكّر، هنا، بأن العقبة العراقية، سبق لها أن حُلّت بين الطرفين فعلاً. وإذا كانت واشنطن قد خسرت العراق ووُجد السياق الملائم للحصول على سوريا بديلاً، فإن الأميركيين، اليوم، باتوا مستعدين للتسليم بخسارة هذا البديل أيضاً.
ماذا بقي من عقبات؟ النووي؟ دعكم من هذا؛ فالولايات المتحدة مستعدة للقبول بتسوية دبلوماسية لهذا الملف لا تمس بسيادة إيران أو بحقها في التخصيب النووي للاستخدامات السلمية. وفي ما يتصل بأفغانستان، فالتفاهم الثنائي ممكن وسهل. تبقى العقبتان، الإسرائيلية والسعودية.
تستخدم إسرائيل الملف النووي كذريعة؛ ليست إيران في وارد إنتاج قنبلة نووية، وإذا أنتجتها فليس وارداً استخدامها، ولا حتى على سبيل الردع؛ فالردع النووي يخضع لمعادلة دولية، خارج المعادلات الثنائية. السلاح النووي الإسرائيلي، هو، أيضاً، خارج امكانية الاستخدام الفعلي؛ ذلك أن زوال الكيان الإسرائيلي لن يتم، في حال من الأحوال، بهجوم استراتيجي صاعق، بل من خلال استراتيجية التفكيك بالمقاومة. وهذا ما تدركه إسرائيل جيداً جداً، وهذا هو ما تريد الخلاص منه: ضرب إيران أو تحجيمها وهزيمة سوريا، وصولاً إلى نزع سلاح حزب الله والمقاومات القائمة والممكنة المرتبطة بالمحور الإيراني ــــ السوري.
لن تتنازل طهران عن دعم المقاومة بالطبع. وهو أمر محسوم لدى الأميركيين من دون التباس، إنما ليس مستبعَداً التوصل إلى تفاهمات. ومنها تفاهم جديد مثل تفاهم نيسان (1996) يحيّد، هذه المرة، المدنيين واستثمارات الغاز والنفط لدى الطرفين. وهذه المعادلة واقعية وممكنة وكافية، في المدى المنظور، لتحديد قواعد الاشتباك الآمنة للمنطقة والمستثمرين والنظام الإقليمي الدولي.
فلسطين هي ركن ركين في الاستراتيجية الإيرانية، إنما الشأن الفلسطيني لن يعرقل المفاوضات بين واشنطن وطهران؛ فالأخيرة لا تملك، هنا، أوراقاً تفاوضية. وهكذا، سيظل الاعتراض الإيراني في الشأن الفلسطيني في خانة المبادئ ودعم المقاومين، لا في خانة السياسة؛ فالفريقان الفلسطينيان، اليوم، عالقان، أحدهما (السلطة) في الشباك الأميركية الإسرائيلية، وثانيهما (حماس) في الشباك الخليجية الإخونجية.
العقبة السعودية، للمفارقة، هي العقبة الأكبر بين الولايات المتحدة وإيران. هناك، كما هو معروف، وسائل أميركية فعالة لممارسة الضغوط وتعديل سلوك الرياض، ولكن الأخيرة تحظى بهامش حركة ذاتية لا يستهان به، يتمثّل في الإرهاب التكفيري. وقد كان هذا الهامش، دائما، أداة غير رسمية للسعودية، وحتى حين يتم اتباع سياسة أمنية محلية مضادة للإرهابيين، فإن البنية الاجتماعية الوهابية، تظل في منأى؛ قادرة على إنتاج التكفيريين الإرهابيين وتقديم الدعم اللازم لنشاطاتهم.
عاجلاً أم آجلاً، ستضطرّ السعودية إلى الخضوع لمتطلبات التسوية السورية. ــــ وذلك لا ينفي، بالطبع، امكانية استعمالها كمخلب قط خلال المفاوضات التفصيلية ــــ، إلا أن الرياض ستقاتل حتى آخر إرهابي وآخر بترودولار، لمنع انفراط العقد الإقليمي المحيط بمركزها؛ ستواصل التحشيد المذهبي، والاعتراض في لبنان والعراق، بالسياسيين والإرهابيين، وستتصدى للمصالحة في البحرين، والاستقرار في اليمن، وتسعى للاحتفاظ بالأردن، وعرقلة تطوير العلاقات المصرية ــــ الإيرانية. السعودية كارثة على الطرفين؛ وربما يتعاونان على كبحها؟

Posted in Uncategorized.