بهدوء | حلب، أريد خندقاً وبندقيّة

كل جرائم إرهابيّي المعارضة السورية، لم تطأ قلبي مثلما فعلت جريمتهم البشعة في جامعة حلب؛ كنتُ شاهدتُ، منذ بضعة أيام، تقريراً تلفزيونياً عن أجواء الدراسة ومشاكلها في الجامعة؛ رأيتُ الشباب والصبايا، كالزهور النديّة، يتجوّلون أو يقتعدون الأدراج أو يتحدثون عن مصاعب الدرس العملي، في ظل انقطاع الكهرباء عن المخابر الجامعية، لكنهم يحضرون، يتعلمون ويتحاورون ويحبّون… كأنني لمحتُ، في الكادر الثاني للكاميرا، فتىً وفتاته، تحدّيا الإرهاب، وقَدما إلى ملعب الحياة، كأنني لمحتُ ولدي على أدراج الجامعة الأردنية، كأنني لمحتُ فتوّتي فيها، واستذكرتُ القلوب القوية والأيدي المتشابكة والهتاف العالي في مواجهة جنازير «الإخوان» وسكاكينهم. السكاكين تحوّلت اليوم صواريخ ومتفجرات، وبكيتُ لأنني غدوتُ كهلاً يخشى على ولدَيه الجامعيّين من الإرهاب المتمدد من حلب إلى عمان، ولأن زمان البنادق فاتني، ولم أعد قادراً على القتال في حلب، دفاعاً عن عمان، وعن ولديّ.
لا تقولوا لي أيها الأصدقاء: أنت تقاتل بالكلمة. كلا. أريد خندقاً وبندقية وشارة سيف الدولة الحمداني، وفي عنقي أنشودة المتنبي له: «حَلَبٌ قصدنا وأنت السبيلُ». وأريدُ أن أصرخَ بالمجرمين: أيّها المجرمون! وبالغزاة: أيها الغزاة! وبـ«المعارضة الوطنية»: متى تتوقفون عن مغازلة الإرهابيين؟
التغطية الإعلامية «المحايدة»، تجرح العقل والوجدان: «قتلى»! أهؤلاء الأولاد والبنات ممن تحدّوا الدمار والقنابل والموت لكي تنتصر الحياة اليومية، مجرّد «قتلى»؟ حتى الزملاء في «الأخبار» يتبعون وكالات الأنباء، ويجهّلون الفاعل! منذ اثنين وعشرين شهراً، يهاجمنا الإعلام العدوّ بالفجور، ويهاجمنا الإعلام الحليف بالحياد! ألا يكفي حياداً؟ أيبقى، بعد «والي السوريين» العثمانيّ، حيادٌ؟ أيبقى بعد آلاف القَتَلَة المحترفين الآتين من كل مستنقعات الشرق لتمزيق الوردة السورية، حيادٌ؟ أتبقى الدوحة والرياض وأنقرة في مأمن بعد كل هذا القتل والدمار في دمشق وحلب؟ أنبقى نجادل الأخضر الإبراهيميّ في بشار الأسد، بينما يصول المازوشيّون (حيال السيد الغربي الإسرائيليّ) ــــ الساديّون (حيال الشعبين السوريّ والعراقيّ) ويجولون؟ أم تعوّدنا الدنيّة؟ نفكر ونكتب ونحاور مخبّلين خجلين حائرين ليبراليين خائفين محايدين… كأننا متهمون! بماذا؟ بالعروبة؟ بحقوق الأوطان؟ بالعلمانية؟ بالدولة؟ بالمقاومة؟ أو كأننا مستشرقون!
نحلّل بدقة تتوخى «الموضوعية» بكل زيفها، ونتواطأ على التضليل، فلا نقول كما كان بدر السيّاب يقول: «إني لأعجَبُ كيف يمكن أن يخون الخائنون؟ أيخونُ إنسانٌ بلادَه؟ إن خان معنى أن يكون؟ فكيف يمكن أن يكون؟» حقاً، كيف يمكن أن يكون، بعد، «ديموقراطياً» أو حتى إنساناً؟
اليوم، اعذروني، سأشرب من النبع الأولى… حيث تلمع فضّة الحقيقة تحت الشمس (أنا لا أحبّ الذهب، أصفر وأسود معاً): ليس في مواجهة الغزاة حوارٌ حول المرحلة الانتقالية، ولا مفاوضات ــــ كما يريد حسن عبد العظيم وهيثم منّاع ــــ لإقصاء بشار حافظ الأسد، والتفاهم مع معاذ غورو الخطيب! ليس في مواجهة الغزاة سوى موقفين لا ثالث لهما، فإما المقاومة وإما الخيانة!
ليس في سوريا اليوم «أزمة» بل غزو عثماني جديد يتوسد الحلف الغربي الإسرائيلي والحقد الخليجي، ويستخدم التحريض الطائفي والإرهابيين والخونة، لاستعادة زمن الولاة في سوريا… فالعراق فالأردن فلبنان، أما فلسطين فحصّة الحاكم العسكري الإسرائيلي!
سأشرب من النبع الأولى، وأستذكر أننا، نحن الذين نذرنا حيواتنا لتحقيق المطالب الشعبية، الديموقراطية والاجتماعية، تعلّمنا الدرس الأول البليغ في صبا يساري كان واضحاً كانبلاج الفجر: حين يأتي الغزاة تغدو الصراعات الداخلية ثانويةً، ونذهب، جميعاً، إلى الخنادق. مَن يصدّ الغزو سيكون له رأي وسلطة ومستقبل، ومَن يفتح البوابات للغزاة ليس له سوى العار، ومَن يتواطأ كالذي يخون. وفي سوريا لن يستطيع أحد أن يرسل الجيش الذي يدفع، شهراً بعد شهر، ضريبة الدم إلى المعسكرات، ومَن ليس موجوداً اليوم في خنادق الكفاح بالسلاح والعمل والأمل، ليس له مكان في سوريا الغد.

Posted in Uncategorized.