بهدوء | بوتين ــ المعلّم وراء الأبواب المغلقة

«لا جنيف مجدداً»؛ حسمها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف؛ كان ذلك معروفا لدى وزير الخارجية السوري، وليد المعلّم، مسبقاً. وقد نقلنا عنه ، منذ حوالي الشهرين، أن الروس يعملون على مسار آخر، غير جنيف 3، هو مسار المظلة الروسية لحوار بين الدولة السورية والمعارضة الوطنية. وهو ما أسميناه، حينها، « موسكو 1» (الأخبار 10 تشرين الأول 2014).
الأوساط المعارضة المدعوّة إلى «موسكو1»، روّجت أن الجهد الروسي يصب في تجديد المؤتمر الدولي حول سوريا على أساس مسار جنيف 1 و2؛ فهل كانت هذه الأوساط مضلَّلة أم أنها لم تفهم على لافروف أم أنها لا تريد أن تفهم أم أنها تسوّق تنازلاتها تحت عنوان جذّاب… جنيف؟
لم تتزحزح روسيا، أبدا، عن سياسة الدعم الكامل لنظام الرئيس بشّار الأسد؛ وهي انتقلت اليوم إلى إعلان التحالف الاستراتيجي مع دمشق؛ الرئيس فلاديمير بوتين استقبل المعلّم، «وراء الأبواب المغلقة»، وفقا لتعبير وسائل الإعلام الروسية، وتحادثا في شؤون العلاقات الثنائية؛ بوتين جدّد دعمه لسوريا ولرئيسها في المعركة ضد الإرهابيين الذين «ليس لهم مكان على طاولة الحل السياسي».
هل كان استقبال بوتين للمعلّم رسالة سياسية للغرب وحلفائه؟ ربما أكثر؛ لكن الأكيد أن محادثات الأبواب المغلقة، لم تكن ذات صفة رمزية فحسب؛ فعلى مكتب بوتين فقط يوجد ملف التسليح النوعي للجيش السوري، بما في ذلك منظومة صواريخ اس 300 وملفات التعاون الاستراتيجي الأخرى المتعلقة بمستقبل الصراع مع الغرب وحلفائه، بينما تمت مناقشة الشؤون السياسية بين المعلم ولافروف. وقد حدد الأخير، النقاط الأساسية في الموقف الروسي ــ السوري المشترك:
أولا، الأولوية المطلقة هي لمكافحة الإرهاب؛ ثانياً، «التحالف» الذي تقوده الولايات المتحدة بادعاء القتال ضد «داعش»، ينشط خارج القانون الدولي؛ ثالثاً، حل الأزمة السورية يسير في طريقين متوازيين: الحل العسكري مع الإرهابيين، والحل السياسي مع المعارضين الوطنيين المسالمين؛ رابعاً، خطة المبعوث الأممي، دي ميستورا، لتجميد القتال في حلب، مرحّبٌ بها باعتبارها جزءاً من عملية «المصالحات المحلية» التي ترعاها الحكومة السورية؛ خامساً، لا جنيف مجدداً بل حوار سوري ــ سوري، برعاية روسية.
نحن، إذاً، أمام تطابق عميق وشامل في المواقف بين موسكو ودمشق؛ وعلى وجه الدقة، نحن أمام تأييد روسي صريح وكامل وعلني لمواقف الدولة السورية، بحيث لا يعود هناك مجال لالتباس أو غموض يسمح لأي معارض يريد المشاركة في موسكو1، أن يدعي التحرك في مساحة اختلاف بين بوتين والأسد.
قفل مسار جنيف، لا يعني، فقط، عدم الذهاب إلى جنيف 3، بل يعني نهاية مفاعيل بيان جنيف1 الذي تجاوزته التطورات فعلا؛ فلدى صدور ذلك البيان، في 30 حزيران 2012، كان الوضع العسكري يميل لصالح الجماعات المسلحة، كما استطاع حلف أعداء سوريا، حينها، توجيه السهام السياسية والإعلامية لشرعية الرئيس بشار الأسد، وكان هناك إطار للتفاهم الروسي الأميركي، أنتج صيغة تسوية تتضمن نقل السلطات إلى هيئة حكم انتقالي؛ كل ذلك أصبح من الماضي: ميزان القوى انقلب لصالح الجيش العربي السوري، وجدد الرئيس الأسد شرعيته في انتخابات ذات صدقية، وانتقل الروس والأميركيون من الوفاق التكتيكي إلى المجابهة الاستراتيجية؛ فسقط مسار جنيف كله، وجاءت لحظة الإعلان عن مسار جديد للتحالف الروسي ــ السوري في سوتشي، يوم 26 تشرين الثاني 2014.
إذا لم يع المعارضون الوطنيون والراغبون في وقف الحرب، هذه الحقيقة، فإنهم سيضيّعون المزيد من الوقت بالتمسك بأوهام طفولية؛ فالروس في خندق الأسد، واقتراح الولايات المتحدة الفعلي على الطاولة الروسية ــ الإيرانية، هو الآتي: العراق مقابل سوريا، أي استعادة النفوذ الأميركي كاملا في بلاد الرافدين، لقاء الكف عن التدخل في الأزمة السورية، وتركها للروس.
التدخل الأميركي لإسقاط الأسد ،إذاً، يقع خارج حسابات واشنطن على المدى المنظور؛ وهو ما أدى إلى إقالة وزير الدفاع الأميركي، تشاك هيغل، جراء اصراره على ضرورة قيام «التحالف» بقصف الجيش السوري بالتوازي مع قصف «داعش».
ماذا يبقى من الأوهام، سوى التحالف مع السلطان أردوغان ومليشياته التكفيرية الإرهابية المسماة «داعش»؟ هناك مَن يريد الذهاب نحو ذلك المستنقع، لكن مَن يتطلع إلى وقف شلال الدم والشروع في إعادة البناء، عليه التخلّي عن مقولات 2011، والتفكير خارج الصندوق؛ فالممكن، اليوم، هو حوار سوري ــ سوري برعاية الحليف الاستراتيجي للدولة السورية، روسيا؛ لن يكون هناك، إذاً، حل دولي، ولا اتكاء على الأطراف المعادية لدمشق، ولا مرجعية بيان جنيف 1؛ بل حل وطني يستند إلى موازين القوى الداخلية، وفي إطار مرجعية الثوابت القومية لسوريا.

Posted in Uncategorized.