بهدوء | الحرف الأول من اسمها: السعودية

لا بغضب، وإنما بابتسامة حيية، وضع الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، اصبعه على السهم المسموم في الجرح النازف للمشرق العربي؛ فلم يبق سوى المملكة العربية السعودية التي تواصل العيش في خيالات إسقاط النظام السوري بالعنف، وتواصل تمويل وتسليح الجماعات الإرهابية، والضغط على الهيئات «المعارضة» المرتبطة بها لرفض الحل السياسي وعنوانه الآن: «جنيف 2».
لم يسمّ نصر الله سوى المملكة. وهو ما يعني، على وجه التحديد، أن المعطيات لدى المحور الدولي ــــ الإقليمي الذي ينطق الرجل باسمه، تقول إن الحلفاء الذين تحشدهم الرياض في آخر معاركها السورية والمشرقية، ليسوا معها؛ فلدى تركيا والأردن ـــ وهما معبرا التدخل السعودي في سوريا ــــ حسابات معقدة، تنأى بالدولتين عن المضي قدما في الخطط السعودية، بل ان «الإمارات» ليست، أيضاً، في وارد التصدي للتسوية الروسية ــــ الأميركية.
لو كنتُ مكان حكّام السعودية، لفكّرتُ، مطولاً، بإعلان نصر الله عن الحرف الأول من اسم المملكة، وتحميلها، وحدها، المسؤولية عن استمرار شلاّل الدم في سوريا والمنطقة. أما الابتسامة، فليست سوى ابتسامة المنتصر الساخر، وأما مضمون القول… فحذار!
هل أبدأ من البحرين أم من المنطقة الشرقية في السعودية ذاتها أم من العراق أم من اليمن؟ وفي كل هذا الطوق، قنابل مستعدة للانفجار، يواظب نصرالله على سحب فتائلها، وبذل الجهود المضنية لتهدئة الصراعات، وضبطها في حدودها السياسية السلمية. ثم نأتي إلى لبنان، حيث النفوذ السعودي ليس سوى ورقة مسموح بها من قبل حزب الله الذي يتمتع بفائض من القوة لا يستخدمه في الحسم، لكنه لن يحبسه لمنع وقوع حرب أهلية يخطط لها أمير الإرهاب، بندر بن سلطان.
تتحامى السعودية بما يملكه خصومها الإقليميون من حسٍ عالٍ بالمسؤولية الوطنية والقومية والإسلامية. وقد أزفّت ساعة الحقيقة، لتدرك الرياض ــــ بأفرقائها المتنافسين ــــ أن موازين القوى لا تسمح لها بالاستمرار في تفجير المنطقة، من دون أن تلحقها الزلازل والتوابع. في المقابل، لا يزال ممكناً، وإنْ لزمن قصير، أن يقوم السعوديون باستدارة نحو المصالحة مع دمشق، والسعي لإعادة تركيب ثلاثيّ النظام العربي (السعودية ومصر وسوريا) لإيجاد حلول واقعية للملفات الإقليمية، ومنها إحداث توازن عربي مع الإيرانيين والأتراك؛ لكن السعودية ــــ بكل أفرقائها ــــ هي، الآن، في حالة غيبوبة وهذيان، بل في حالة موت سريري، ربما لم يعد ينفع معها علاج. تسير المملكة، بخطى متسارعة، نحو نهايتها المحتومة؛ فهي أصبحت، بالمعنى الحرفي للكلمة، «خارج الزمن» التاريخي، تعاند الواقع المستجد للعالم المتعدد القطبية، وليس لديها أطروحة سوى الحقد المذهبي والدم والدمار، وليس لها حليف ممكن سوى اليمين الإسرائيلي.
وصف الزميل عامر محسن ( الأخبار، 29 تشرين الأول 2013) جوانب من الأزمة الاقتصادية الاجتماعية الهيكلية التي تهزّ كيان السعودية (البطالة الصريحة والمقنّعة للسعوديين بنسبة 80 في المئة، والإدمان على استهلاك الوقود الرخيص والسيارات الفارهة، في ظل غياب أي رؤية تنموية). هذا المجتمع المُعال هو نقطة الضعف الاستراتيجية في الكيان السعودي غير القابل للاستمرار، وهو يشكّل، أيضاً، مصدر كل الشرور بالنسبة للمشرق والعالم العربي؛ فالمجتمع السعودي المُعال هو البيئة الملائمة لإنتاج آليات الخطاب التكفيري الإرهابي على المستوى التربوي والثقافي والإعلامي والسياسي والتنظيمي، والمملكة السعودية ــــ التي تفتقر إلى هيئات الدولة الحديثة والاقتصاد الانتاجي والقوات المسلحة الكفؤة ــــ لا يمكنها الاستغناء عن التكفير والإرهاب المموَّلين بالهدر الجنوني للعائدات النفطية، لكي تتمكن من إدارة مجتمع متعطّل ومهمّش والقيام بدور خاص في السياسة الخارجية. وقد وصلت تفاعلات هذا «السيستم» اللاعقلاني، في الأزمة السورية، الى الاصطدام بالجدار الدولي والإقليمي ولاحقا ــــ إنما في القريب ــــ بالجدار المحلي أيضا.
اصطدم حكّام السعودية بجميع قوى الضدّ، من روسيا إلى إيران إلى العراق إلى سوريا إلى لبنان، لكنهم اصطدموا، أخيراً، براعيهم الاستراتيجي، الولايات المتحدة؛ فقد تكونت، لدى الأميركيين ــــ باستثناء مجموعات المحافظين الجدد ــــ قناعة بوجود «عقبة سعودية» كأداء إزاء ضرورة وضع حد لتنامي الحركات الإرهابية، وامكانية التوصل إلى تسويات إقليمية تكفل انسحاباً أميركياً آمناً من الشرق الأوسط، وأخيراً إزاء نشر الديموقراطية الليبرالية في العالم العربي. الضغوط الأميركية ستشتدّ على الرياض، لكن الأهم أن التقاطعات القائمة والمحتملة بين الأميركيين والروس والإيرانيين، ستعطي للقوى المحلية والإقليمية المناهضة لآل سعود، غطاء دولياً للحركة. انتظروا!

Posted in Uncategorized.