انتخابات »التأسيس الثاني« .. لدولة إسرائيل

انتخابات »التأسيس الثاني« .. لدولة إسرائيل****ربما تكون »قنبلة« المرشح الوسطي لرئاسة الحكومة الإسرائيلية امنون شاحاك، صوتية فحسب، ولكنها على أية حال، دوّت بإيقاعات الأزمة العامة في إسرائيل. ونعني أزمة »التأسيس الثاني« للدولة بوصفها »أمبريالية اقليمية«.لقد وصل التطور الإسرائيلي الى مستوى نوعي يتقاطع مع المستوى النوعي الذي بلغه التخلف العربي، بحيث غدت إسرائيل منذ غياب الاتحاد السوفياتي والاستسلام الشامل للكمبرادور العربي، مطلع التسعينيات، في وضع يسمح لها بالتحول الى مركز امبريالي اقليمي يحقق مشروع إسرائيل الكبرى حسب شمعون بيريز، »بالتعاون السياسي والاقتصادي والثقافي وليس بالدبابات«، أو للدقة بذلك »التعاون« المدعوم بالدبابات وبأسلحة الدمار الشامل، وكذلك بالقوى الاجتماعية المحلية المستعدة للقيام بدور الوسيط الكمبرادوري.إذن، هي أزمة في التطور الاسرائيلي (وليست أزمة تطور أو.. وجود كما هو الحال العربي) ناجمة عن عجز إسرائيل عن تحقيق إجماع على تلبية الشرطين الضروريين لتحولها الى امبريالية اقليمية، وهما »خارجيا« تحقيق »السلام« مع العرب، وداخليا، تحديث البنى الاجتماعية والايديولوجية والثقافية الاسرائيلية، بحيث تتواءم مع نظيرتها الاقتصادية والتقانية والعسكرية.حزب العمل الاسرائيلي (ولا سيما زعيماه إسحق رابين وشمعون بيريز) حشد وراءه، »اليسار« الإسرائيلي يعني البرجوازية والارستقراطية العمالية واليهود الغربيين والعلمانيين وأبناء المؤسسات، نحو تسوية بائسة بين متطلبات التحول الامبريالي والمتطلبات الأمنية والايديولوجية لليمين.. فقواه، وحشد وراءه كل المتضررين من القوى الاجتماعية »ما قبل الرأسمالية«، يعني اليهود الشرقيين، المهمشين، المتدينين.. الذين يفقدون بسيطرة الاقتصادي بدل الايديولوجي، على السياسة الاسرائيلية، قوّتهم في التأثير على القرار وبالتالي يزدادون تهميشا وفقرا.عبّرت التسوية التي اقترحها حزب العمل عن نفسها، في اتفاق مع الحلقة العربية الأضعف، منظمة التحرير الفلسطينية، في أوسلو العام 1993، ثم مع الحلقة الثانية في »وادي عربة« العام 1994. أما في ما يتصل بالحلقة السورية (واللبنانية) الأقوى، فكان لا بد من إزاحة متطلبات الايديولوجيا، والقبول بمبدأ الانسحاب الكامل مقابل »السلام الكامل«. وهو الشرط الأول للتحول الامبريالي، بينما عبّر بيريز في كتابه »الشرق الأوسط الجديد« عن رؤية ايديولوجية وثقافية جديدة تقوم على »السلام« و»التعاون« والتطبيع الثقافي و»الشراكة«. وعند هذه النقطة انفجر الانقسام الاسرائيلي على مداه، ما أدى الى اغتيال رابين بالرصاص العام 1995 وبيريز بإسقاطه في الانتخابات لرئاسة الحكومة العام 1996.قام رئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد بنيامين نتنياهو، بانقلاب شامل على السياسة العمالية، بل انه جنح الى مغامرات عسكرية »كبيرة« في لبنان.. والعراق.. وإيران كبحتها المؤسسة العسكرية التي كان يرأسها ويعبّر عن قرارها امنون شاحاك نفسه الذي فضح نتنياهو المغامر في هجوم »انتخابي« وضّح حجم الخطر الذي يمثله نتنياهو على التطور الإسرائيلي.واليمين الإسرائيلي قوي، أولا بقاعدته الاجتماعية الخاصة المتضررة من عملية التحول الامبريالي، وثانيا بعجز اليسار العمالي عن تقديم برنامج جذري يتساوق مع حاجات التطور الاسرائيلي، وثالثا، حسب شاحاك، بتقوقعه »الطائفي« وعجزه عن استيعاب اليهود الشرقيين والمهمشين بعامة، ومصالحهم، في إطار برنامج يفتح لهم باب الأمل.. بالاندماج!ولكن اليمين الاسرائيلي القوي يطرح برنامجا بلا أفق لكل إسرائيل، بل انه يعرقل تطورها، ويلح رجعيا على القلعة الإسرائيلية الحصينة المنعزلة عن كل تعاون إقليمي، والمنتظرة كل فرصة للتوسع الاحتلالي. وهو ما أصبح غير ذي جدوى لإسرائيل وصعبا سياسيا بقدر ما هو سهل عسكريا.وكان نتنياهو اقترح انه قادر على تنفيذ البرنامج الامبريالي لحزب العمل، بدون أن يقدم تنازلات ميدانية أو أمنية أو حتى إيديولوجية، مؤكدا ان العرب مستعدون للتكيف معه.ولكنه، عندما تكيفت الحكومة الأردنية مع برنامجه السياسي لا بل ومع تصريحاته الايديولوجية، وعرضت عليه فصل السياسي عن الاقتصادي، والبدء بتنفيذ المشروعات الاقتصادية الثنائية المتفق عليها، مبدئيا مع الحكومة العمالية السابقة، ناور وتملص واقترح، في النهاية، تكثيف التعاون الأمني! ما يدلنا على أن اليمين الاسرائيلي ليس فحسب ضد »التنازلات« التي يفرضها مشروع التحول الامبريالي، ولكنه ضد المشروع نفسه متحصنا بالمشروع الاسرائيلي »الأصلي« الاستيطاني.وشاحاك الذي قدم نفسه باعتباره الخط الثالث البديل اقترح تسوية داخلية ملائمة، وهي برنامج حزب العمل زائدا إصلاحات اقتصادية واجتماعية تؤمن استيعاب المهمشين في المجتمع الاسرائيلي من اليهود الشرقيين.وبقدر ما يعبّر هذا البرنامج، نظريا، عن الضروري إسرائيليا. ومن هنا جاذبيته، فإن المشكلة التي يواجهها شاحاك كما قال العمالي يوسي بيلين، انه »بلا أنصار« ولا سيما ان المجتمع الاسرائيلي قد انشق وتصلب انشقاقه وهو مرشح للمزيد من التصلب.الاتجاه الغالب عند العرب هو، بالطبع، »دعم« البرنامج الامبريالي الاسرائيلي. وستشحد السلطة الفلسطينية، كما حدث في انتخابات 1996، عرب إسرائيل وراءه، بينما ستقاومه حركة المقاومة الاسلامية (حماس) بعمليات نوعية من شأنها أن تقوي اليمين الاسرائيلي موضوعيا. والمأساة ان الفلسطينيين والعرب، سيدفعون الثمن دائما، سواء تحولت إسرائيل الى امبريالية وهو الأرجح أو خرج اليمين الاسرائيلي من مأزقه بحروب جديدة وهو ممكن أو انفجر المجتمع الاسرائيلي المدجج بالأسلحة النووية وهو »مستبعد« ولكنه قد يحرق المنطقة كلها.

Posted in Uncategorized.