الأردنيّون: مع النظام وضدّ سياساته

*
النتائج الخاصة بالأردن في استطلاع «مؤسّسة بيو لدراسة المواقف العالمية»، مثيرة للتساؤلات، من حيث تناقضاتها، أكثر من أي بلد آخر من البلدان الـ 47 التي شملها الاستطلاع. فقد أظهرت تلك النتائج انفصالاً حاداً بين موقف الأردنيين الإيجابي من نظامهم السياسي من جهة، وبين نظرتهم السلبية إلى سياساته الخارجية، واستيائهم الشديد من وضعهم الاقتصادي من ناحية أخرى.
في التحليل الاجتماعي ـــــ السياسي العقلاني، يرتبط الرضا عن النظام السياسي، طردياً، مع الرضا عن سياساته، بينما ينعكس الغضب من تقهقر الوضع الاجتماعي للغالبية الشعبية، في نزعات سياسية معادية للنظام. فلماذا يفلت الأردن من صوابية هذا التحليل؟
حصل النظام السياسي الأردني على أعلى نسبة تأييد داخلي بين أنظمة البلدان الـ 47، فاعتبره 65 في المئة من الأردنيين، «جيداً جداً» و26 في المئة منهم، «جيداً إلى حد ما»، ورفضه 6 في المئة فقط. وتمثّل هذه الأرقام تطوراً إيجابياً مذهلاً في موقف الأردنيين من نظامهم بالنسبة لنتائج استطلاع عام 2002، حين حصل النظام على تأييد مرتفع بنسبة 11 في المئة فقط، وتأييد متوسّط بنسبة 46 في المئة، مقابل 28 في المئة من الرافضين، و13 في المئة من الرافضين جداً.
ماذا حصل خلال هذه السنوات الخمس؟
49 في المئة من الأردنيين يرون أن وضعهم الاقتصادي كان أفضل عام 2002، ولم يتغير الوضع بالنسبة إلى 15 في المئة آخرين، بينما تحسّن بالنسبة إلى 27 في المئة منهم فقط. وفي مؤشّرات أخرى تندرج في السياق نفسه، فان 68 في المئة من الأردنيين يعتبرون أن البلد يواجه مشكلة اقتصادية، ويصف 54 في المئة الوضع بأنه «سيئ»، وتبلغ نسبة عدم الرضا عن الدخل العائلي 77 في المئة، بل إنّ 5 في المئة كانوا عاجزين عن شراء الغذاء لأسرهم و16 في المئة عاجزين عن تسديد النفقات العلاجية أو شراء الملابس.
وإذا انتقلنا إلى الموقف من أداء الحكومة المركزية، نجد أن 54 في المئة من الأردنيين غير راضين عنه، و44 في المئة منهم يعتبرون السياسيين «فاسدين»، و42 في المئة مستائين من مجرى الأمور في البلاد.
وفي السياسة الخارجية، سوف نلاحظ أن الأردنيين، يتخذون مواقف معارضة بصورة كبيرة لسياسات النظام الأردني الأساسية. فرغم العلاقات الرسمية التطبيعية القائمة مع إسرائيل، فإن 81 في المئة من الأردنيين يعتبرونها «الخطر الأكبر». ويمكننا أن ندرك ارتفاع هذه النسبة بالمقارنة مع موقف فلسطينيّي الضفة والقطاع، حيث نسبة الذين يعتبرون أنّ إسرائيل هي الخطر الأكبر على بلادهم هي 60 في المئة فقط، ولبنان، حيث النسبة 74 في المئة.
ورغم أن الولايات المتحدة الأميركية هي الحليف الأوّل للنظام الأردني، فإن 25 في المئة من الأردنيين يضيفونها إلى إسرائيل بوصفها «الخطر الأكبر»، بل إن 19 في المئة منهم «قلقون جداً» من التهديد العسكري الأميركي، و48 في المئة «قلقون»، و21 في المئة «قلقون نوعاً ما».
النظام الأردني، كما هو معروف، شريك نشط جداً في الحرب الأميركية على «الإرهاب»، ومع ذلك، فإن 17 في المئة فقط من الأردنيين يعتبرون أن «القاعدة» تمثّل تهديداً للأردن. وعلى رغم القطيعة وحملات العداء والتحريض ضد حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وحزب الله اللبناني وسوريا، فإن واحداً في المئة و5 في المئة و7 بالمئة (على التوالي) من الأردنيين يعتبرون هذه الجهات، «خطراً»، بينما يعتبر 43 في المئة من اللبنانيين الدولة السورية خطراً على بلدهم.
ويحظى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله المكروه جداً في الأوساط الرسمية الأردنية، بثقة 76 في المئة من الأردنيين، بينما يحظى الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز بثقة 61 في المئة منهم.
لكن الأردنيين يتشاركون مع نظامهم السياسي في الموقف من إيران التي تأتي بعد إسرائيل مباشرة كـ«عدو» بنسبة 46 في المئة. ويعود ذلك إلى استياء الشعب الأردني من السياسات الإيرانية في العراق، لا إلى قنبلتها النووية.
كيف نفسّر، إذاً، هذا التناقض الأردني الحاد بين الولاء شبه الكامل للنظام وبين الرفض شبه الكامل لسياساته الاقتصادية والاجتماعية والخارجية؟
في الاستطلاع نفسه، هناك مؤشّر ربما يفسّر هذا التناقض؛ فمن بين الـ47 دولة موضوع الدراسة حول العالم، أظهر الأردنيون أعلى قدر من الشعور بالأمان بنسبة 81 في المئة، وأعلى قدر من الثقة بالمؤسسة العسكرية بنسبة 86 في المئة. وعلى خلفية المشهد العراقي الدموي الذي يتابعه الأردنيون بوصفه قضية أردنية، والتهديدات الداخلية المحدقة بلبنان، والتعسّف الأمني في مصر وسوريا، ينظر هؤلاء بعين القلق إزاء التغيير السياسي، ويرون في صلابة الجيش الأردني، ومهنيته، ونعومة الإجراءات الأمنية الداخلية، كامتياز في منطقة خطرة للغاية.
ومن بين المؤشّرات ذات الدلالة المهمة في هذا السياق، ارتفاع نسبة التأييد الداخلي للنظام في الأردن بصورة مذهلة ـــــ كما رأينا أعلاه ـــــ عما كانت الحال عليه قبل غزو العراق عام 2003. ومن الواضح أن بشاعة الحرب الأهلية في هذا البلد الجار الأقرب إلى الأردن على جميع المستويات، قد ساعدت النظام الأردني على استيعاب نتائج تطبيق برامجه الليبرالية الاقتصادية المتوحّشة، وتصاعد الكراهية الشعبية لحلفائه الأميركيّين، والرفض شبه الشامل لسياساته الخارجية.
السبب الآخر القوي الذي يدفع بالأردنيين إلى التمسّك بالملكية، رغم رفضهم لسياساتها، هو قلقهم إزاء انهيار كيانهم الوطني في حال انهيار النظام، وخصوصاًَ مع تصاعد الضغوط الأميركية والإسرائيلية والسلطوية الفلسطينية، بشأن فرض الكونفدرالية مع الضفة الغربية على الأردن، وإنشاء دولة أرد ـــــ فلسطينية، بلا سيادة، لحلّ مشكلة المستوطنات واللاجئين، يكون قادة «السلطة» المكروهين في الأردن، شركاء فيها.
إلا أن هنالك أيضاًَ عوامل أخرى تستحق التنويه بها في هذا المقام. ذلك أن النظام الأردني لا يزال يوفّر حتى الآن، خدمات أساسية مُرضية في مجالات الصحة والتعليم والسكن ونزاهة الإدارة، حيث تنخفض شكوى الأردنيين في هذه المجالات إلى 8 في المئة و6 في المئة و4 في المئة و10 في المئة على التوالي.
يبدو أن انهيار وحدة المتناقضات هذه سيكون ممكناً في الحالات الآتية:
أولاً: في حال خضوع النظام الأردني للضغوط بشأن الكونفدرالية مع الأراضي الفلسطينية، ثانياً: في حال حدوث تطورات إقليمية مثل الانسحاب الأميركي من العراق لمصلحة حركة وطنية عراقية موحّدة، أو نجاح سوريا في توجيه ضربة موجعة لإسرائيل واستقرار الوضع اللبناني.
ثالثاً: إذا استمرّ النظام في تجاهل تدهور الفئات الاجتماعية الشعبية والوسطى، وتنفيذ برامج خصخصة الخدمات العامة.
* كاتب وصحافي أردني

Posted in Uncategorized.