أشياء شخصية جداً

حديث الاثنين

ناهض حتّر
-1-
الآثار الماديّة للتعذيب الجسدي تزول خلال أيام (وإن كان بعضها يبقى أبداً على شكل آلام روماتزمية). ولكن عندما يتعرض فتى في ربيعه السابع عشر، للشبح والضرب المبرح حتى غياب الوعي، كما للشتائم البذيئة وللاهانة والاذلال، في جو غامض من الحبس الانفرادي في زنزانة ضيقة مضاءة على مدار الساعة، يقوم عليها سجانون لا يعرفون الرحمة، عندما يحدث ذلك، عندما يتحول البشر الذين تراهم الى وحوش، بينما يرتفع بينك وبين البشر الحقيقيين سور واسلاك شائكة، عندما يحدث ذلك، فان جرحا ينفتح في القلب لا تغلقه الأيام…
-2-
منذ ١٩٧٨، وحتى الآن، خسرت الكثير مما يمكن لشخص لديه المهارات والمواهب نفسها، أن يحققه. ومن ذلك انني حُرمت من اكمال دراساتي العليا، وحُرمت من العمل المستمر في الصحافة، ومن العمل بصورة عامة، وحُرمت من خدمة وطني في عدة مجالات احسب أنني قادر على العطاء فيها، وعشت أياما صعبة جدا، وكان عليّ أن أبذل جهودا نفسية وثقافية وسياسية مرهقة جدا كيما احافظ على انسانيتي. وكل ذلك، وغيره، نسيته تماما. واسامح فيه.
كنت ممنوعا من السفر، فلم أستطع السفر للدراسة، وكما لم أستطع ان اصطحب زوجتي في رحلة شهر عسل الى دمشق التي نحبها. وذهبنا الى العقبة، وما همّ! أصبحت العقبة حبيبة الى قلبي مثل عمان والسلط.
وكان اسمي دائما، على القائمة السوداء عند المراجع الرسمية. وبسبب اصراري على الدفاع عن مصالح الشعب العربي الاردني، كان اسمي على قائمة سوداء اخرى، عند مراجع أخرى. وقد عانيت من ذلك، ولكن بابتسامة استهزاء! فكل الذين عتموا علي، ورفضوا نشر كتاباتي، وتجاهلوا دعوتي الى المنتديات والمؤتمرات والمهرجانات الثقافية، يعرفون، في دواخلهم مكانتي الادبية جيدا جدا. واذكر حادثة واحدة فقط كمثال. وهي ان وزارة الثقافة عقدت ملتقى ثقافيا، وكان أحد محاوره عن غالب هلسا، وقد تجاهلت الوزارة دعوتي، ثم نصحت للمشاركين، الاتصال بي للحصول على كتب الكاتب الكبير الراحل، واي شيء له او عنه!
وآخر القول انني كما حُرمت من الحصول على الدكتوراه، ومن عضوية نقابة الصحفيين، حُرمت، مؤخرا -في الزمن الديمقراطي -من تسجيل شركة عادية! ومع ذلك كله، ابتسم ساخرا ومتسامحا -بيد أن ما تعرضت له من تعذيب جسدي مهين في شرخ شبابي ما يزال يدمي قلبي حتى اليوم!!
-3-
آلمني، بعمق، ما قرأته عن استمرار حالات التعذيب حتى الآن. وتذكرت انني اقترحت على اصدقاء في برلمان ١٩٨٩، ان يبادروا الى اقتراح قانون «تحريم التعذيب الجسدي والنفسي في الاردن».
ومضى برلمان ١٩٨٩ بانجازات عديدة تمنيت ان يكون هذا القانون بينها. وانا اعتقد ان برلمان ١٩٩٣، اذا انجز قانون كهذا، فسيسجل الكثير في سجل اعماله الجيدة عند الحساب…
-4-
سنكنس التعذيب
ولن نعذب أحدا.

Posted in Uncategorized.