ناهض حتّر
معظم الرسائل الاعلامية العربية، المقروءة والمرئية، اوردت التصريح الامريكي الرسمي حول البدء بسحب قوات الاحتلال من العراق، ربيع العام المقبل، بصفته خبراً ثانوياً. ولم توله التحليلات التي يستحقها خبر الاخبار هذا.
واقول “خبر الاخبار” لانه ليس مجرد تسريب بل اعلان رسمي صادر عن قائد قوات الاحتلال الامريكي في العراق، وجاء تتويجاً لسلسلة من التسريبات والتقارير قرأناها على مدى الاسابيع الماضية.
الانسحاب «الجزئي» – مثلما اوضحنا – امس – ليس له معنى فالقوات الامريكية في العراق تحتاج، حسب العسكريين الامريكيين الى زيادة عددها وليس تخفيضه، للسيطرة على الموقف في البلد المقاوم، الانسحاب «الجزئي» يعني، اذن، انسحاباً شاملاً، سوف نشاهده العام المقبل وربما قبل ذلك، فمواعيد الانسحاب سرية لاسباب امنية. لكن المهم ان القرار الميداني والسياسي قد تم اتخاذه فعلاً.
لماذا يهمل الاعلام العربي هذا التطور النوعي، على الرغم من ان تغطيته تتوافق مئة بالمئة، مع المعايير الاعلامية المهنية؟
الاجابة بسيطة، ولكنها ليست مهنية، ولكنها سسيو ثقافية. فالذين طبلوا وزمروا للاحتلال، وعبثية المقاومة، وبنوا حساباتهم السياسية على اساس الوجود الاحتلالي الامريكي الطويل او اقله مثلما فعل الحزب الشيوعي العراقي ومناصروه – بناء اطروحة سياسية على اساس ان الاحتلال «واقع» ينبغي «التعامل معه» اصيبوا، كل اولئك، بالاضطراب والهلع. ناهيك عن محاولة طمس المعنى: المقاومة المسلحة المثابرة لشعب مذبوح يمكنها ان تهزم اعتى الامبراطوريات الامبريالية. وهو درس خطير سوف تتعلمه الشعوب العربية، على الرغم من التعتيم الاعلامي، وتعيد النظربامكاناتها على المجابهة، وخصوصاً في فلسطين.
سوف يترك الغزاة الامريكيون، وراءهم، عراقاً مدمراً في مؤسساته وبناه التحتية، وفوضى امنية متجذرة، وانهياراً اجتماعياً، وانقسامات طائفية واثنية وشخصية، واجهزة مخابرات اقليمية تعمل بكل طاقاتها وميلشياتها، وحروباً صغيرة – ولكن دموية – للتطهير العرقي والطائفي. ومع ذلك، فان الهدف الرئيسي للمقاومة العراقية- هو طرد الغزاة الامريكيين وحلفائهم – يتحقق. وهذا نصر كبير، على كل المستويات، ينبغي اظهاره، وتعلم دروسه، واعادة الحسابات لما بعده، وتفويت الفرصة على القوى الاقليمية لافراغه من محتواه.
لقد قلنا، مراراً ان طرد الغزاة الامريكيين – لاعتبارات عديدة طالما درسناها – هو الصفحة الاسهل في معركة العراقيين من اجل التجديد الوطني، وتمكين العراقيين من النهوض، واعطاء العراق فرصته التاريخية للقيام بدوره الوطنو-كوني. فالعراق بثرواته وامكاناته البشرية وتجربته التاريخية، قادر ان يصبح الرافعة العربية الاقوى من اجل تحرر العرب وسيادتهم وتأمين مساهمتهم في التقدم العلمي.