ناهض حتّر
في تطور لافت -1- اعلن مرشد الجمهورية الاسلامية في ايران، الخامنئي، ان الاحتراب المذهبي السني – الشيعي في العراق، هو مؤامرة امريكية، ويرفع هذا الاعلان، الغطاء الديني عن عصابات القتل المذهبي التابعة للاحزاب الشيعية، -2- وفي السياق نفسه، اعلن حليف الخامنئي في العراق، الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، البراءة من اية عناصر تنتسب الى التيار الصدري، وترتكب جرائم القتل بحق العراقيين -3- كذلك فان نواب التيار الصدري – وحزب الفضيلة – وهي الاقرب الى طهران، قاطعا، الى جانب القوى السنية، جلسة البرلمان العراقي، التي اقرت مشروع تقسيم البلد -4- وهذا كله يحدث على خلفية تصاعد نسبي – ولو محدود – في وتيرة العمليات في المناطق الشعية ضد قوات الاحتلال.
نأمل ان تكون هذه المؤشرات ذات دلالة على تغيير ايجابي يحدث في موقف ايران وحلفائها العراقيين، يضع حداً للتواطؤ مع الاحتلال فيما يسمى العملية السياسية ومشروع التقسيم. ومع ان هناك من ينظر بارتياب الى استجابة لندن لـ «طلب شيعي» بانسحاب القوات البريطانية من جنوب العراق، باعتباره مقدمة للانفصال، فالأدق ان ننظر الى المشهد بوصفه عملية صراعّية بين تيارات تبدو متداخلة.
ان انقاذ العراق من الكارثة الحاصلة – والتي راح ضحيتها حتى الان اكثر من 650 الفا – يمكن فقط، من خلال توحيد كل ابناء العراق في خندق القتال ضد الغزاة سياسياً بالانسحاب من العملية السياسية الامريكية وبرلمانها وحكومتها واجهزتها، وعسكرياً بالاشتباك مع قوات الاحتلال تحت شعار التحرير الناجز، اي طرد الغزاة وليس تحت الشعار المطاط القائل «بجدولة الانسحاب».
وحدة نضال العراقيين ضد الاحتلال، هي، وحدها، التي تقود الى تجاوز الانقسامات المذهبية والاثنية والحزبية، وتهيىء القوى الحية في الشعب العراقي الى الاندراج في عملية سياسية وطنية بديلة عنوانها اعادة تأسيس الدولة الوطنية العراقية الموحدة المستقلة الديمقراطية.. وبوصفها قوة اقليمية لا ساحة لنفوذ واقتتال القوى الاقليمية.
وهذا الاتجاه اصبح، اليوم مرتبطاً – شئناً ام أبينا – بالقرار الايراني – فعلى الايرانيين الاختيار – الان وليس غداً – بين المساهمة في نهوض الجار العراقي المستقل القوي، وبين السير وراء الاطماع الاقليمية. وهو طريق مضر للقوميين الفرس، لكنه انتحاري بالنسبة للجمهورية الاسلامية في ايران.
وتقول:«الان.. وليس غدا»، لان المدى الزمني المتاح للايرانيين من اجل الاختيار الاستراتيجي بشأن ادارة المواجهة مع الولايات المتحدة، هو بالاشهر وليس بالسنوات.
الولايات المتحدة تتحضر لعدوان كاسح على ايران. وهي ترتب مسرح العمليات -سياسيا- من خلال (1) تقسيم العراق الى ثلاثة كيانات، كل منها سيكون مضطرا الى حماية الامريكيين او التفاهم معهم. وهو ما يشل عامل التهديد الشيعي ضد الحرب الامريكية على ايران (2) نسج تحالف عربي مضاد لايران على اساس سياسي ومذهبي معا. وقد تجرّ اليه اقسام من المقاومة العراقية. علما بان صورة ايران في العالم العربي هي صورة سيئة جدا، لاسباب عديدة لكن اهمها التواطؤ الايراني مع الامريكيين في العراق.
على ايران، اذا، ان تبادر الى دعوة حلفائها الى وقف العنف الطائفي، والانسحاب من العملية السياسية الامريكية، واشعال المقاومة في المناطق الشيعية، والتوصل مع الاطراف السنية في المقاومة العراقية الى جبهة موحدة تطرد المحتلين وتعيد تأسيس الدولة الوطنية العراقية. وفي هذه الحالة، سوف تتغير نظرة العرب الى ايران، ولن يعود بالامكان التحشيد ضدها.
وبالخلاصة، فان واشنطن التي ستنشغل توا بسقوط مشروعها السياسي في العراق، وتعداد قتلاها وجرحاها، سوف تضطر، تحت الضغوط الداخلية، الى انسحاب سريع، يضع حدا نهائيا لاية مغامرة عسكرية جديدة في المنطقة، لا ضد ايران ولا ضد سواها.
ايران امام خيار استراتيجي.. والوقت يدركها.