ناهض حتّر
هناك اجماع وطني على المرجعية الدستورية، يشذ عنه أصحاب النهج الليبرالي،
قال الملك: “الدستور خط أحمر”
وفي هذا القول تلخيص للاجماع الوطني الذي تشذ عنه فئتان:
– أصحاب العقلية السلطوية الذين يكرهون، بالطبع، القيود الدستورية على السلطة، ويريدونها «مطلقة».
… وهؤلاء يتراجعون
– واصحاب النهج الليبرالي الكمبرادوري المعادي للديمقراطية، رغم انهم باسمها يريدون تفكيك الدولة الاردنية، وإعادة تركيبها في نظام جديد يعبر عن المصالح الأجنبية، ويمرر «الوطن البديل».
وهؤلاء يتقدمون!
لكن أغلبية الاردنيين، ترى، بالفعل، ان «الدستور خط أحمر»، وتريد، بالفعل، إعادة الاعتبار للدستور الاردني، بوصفه مرجعية النظام السياسي، والحياة السياسية، ومنطلق الاصلاح الوطني.
***
صدر الدستور الاردني سنة ،1952 تعبيرا عن توافق وطني، وتتويجا لنضال الاردنيين من اجل الاستقلال وبناء الدولة الوطنية الحديثة.
وجراء الظروف الاستثنائية التي مرّ بها الاردن في نهاية الخمسينات، في ظل الحرب الباردة واستحقاقاتها، ومن ثم هزيمة حزيران ،1967 ومؤتمر الرباط «1974» وانفصال الوحدة الاردنية – الفلسطينية، ثم ادخال تعديلات على الدستور الاردني لسنة ،1952 تتعارض مع نصوصه الاولى وروحه ومضمونه. وأهمها «أ» شطب القيود المحددة على اصدار القوانين الاستثنائية «المؤقتة». «ب» إمكانية حل المجلس النيابي من دون استقالة الحكومة واجراء الانتخابات «ج» امكانية تعطيل الانتخابات العامة «د» منح صلاحيات لموظفين ليسوا أعضاء في الحكومة المسؤولة امام المجلس النيابي «هـ» تقصير مدة انعقاد المجلس النيابي من 6 اشهر الى 4 اشهر «و» تخفيض مدة عضوية مجلس الاعيان من 8 الى 4 سنوات وإمكانية عزل العين، والتوسع في فئات الاشخاص الذين تحق لهم عضوية مجلس الاعيان.
وكل هذه التعديلات – وغيرها – صدرت في ظروف خاصة زالت، لكنها «التعديلات» لم تزل قائمة.
وفي ظل الاحكام العرفية، جرى تعطيل الكثير من حقوق المواطنين الدستورية.لكن الشعب الاردني استعاد بعضها بعد نيسان .1989
نجد ان الهجمة الشاملة على الدستور الاردني، هي التي شنتها الليبرالية الكمبرادورية، طوال السنوات الخمس الماضية، في اتجاهين اساسيين:
الاول – ويتمثل في انتهاك الدستور انتهاكا صارخا مكثفا من خلال التوسع الكيفي في استخدام المادة «94» المعدلة من الدستور التي تسمح للحكومات باصدار قوانين مؤقتة في حالة «الضرورة التي لا تحتمل التأخير» والتي تحددت في المادة 13 – 1 من الدستور الاردني بـ «الحرب، وقوع خطر عام ، الحريق، الطوفان، المجاعة، الزلزال، الاوبئة..» وليس من بينها، بالطبع، إحداث انقلاب في البيئة القانونية لصالح الكمبرادور، حين جرى اصدار 211 قانونا مؤقتا في غيبة البرلمان.
وقد تم هذا الاعتداء على الدستور والمبدأ الدستوري، من خلال الاتكاء على التعديل الذي يسمح بتغيب البرلمان، ولكن، مع ذلك، كان استخدام هذا التعديل مجحفاً، إذ أنه من دون سبب، سوى إتاحة الفرصة للقوى الكمبرادورية للانفراد بالحكم، وخرق الدستور، باصدار سلة من القوانين المؤقتة، قيدت وتقيد ، مسبقا، النشاط التشريعي للمجلس النيابي اللاحق ، وأرهقته وسترهقه.
والثاني – ويتمثل في تشكيل «اللجان» غير المنتخبة، المكلفة البحث في شتى الشؤون العامة، واقتراح الخطط والتوصيات الخ، ولا ضير من الناحية الدستورية، في تشكيل هذه «اللجان» اذا كانت مهمتها استشارية محضه. اما السياسات العامة ،فالحكومات هي التي تضعها وتنال على اساسها ثقة المجلس النيابي الذي له الحق الدستوري في مناقشة هذه السياسات، ومراقبة تطبيقها، وسحب الثقة من الحكومات وسياساتها عند اللزوم.
المبدأ الاساسي في الدستور، هو أن «الأمة هي مصدر السلطات»، وتمنح الامة تفويضا مؤقتا مشروطا، بالانتخاب، للمجلس النيابي الذي يستطيع -نظريا على الاقل- اتخاذ القرار بشأن الحكومات وسياساتها، من خلال «الثقة» و«الرقابة» و«التشريع». فالحكومات لا غنى لها عن ثقة النواب، وهي ملزمة بالخضوع لرقابتهم، وهم يستطيعون تعديل او تعطيل السياسات الحكومية بوساطة الحق التشريعي في اجازة قانون الموازنة العامة وسواه من القوانين.
«اللجان» هو الشكل الخاص بالحكم الثوري، اما الحكم الدستوري فأداته الندوة البرلمانية.
ونحن – بصراحة – نواجه حركة مضادة، حركة .. تستخدم الاساليب غير الدستورية. ولذلك يكون الردّ الوطني الاردني المطلوب هو «الثورة الدستورية»،تعيد للدستور الاردني لسنة 1952 « في نصه الاول» محوريته في حياة الدولة والمجتمع.
واذا كان تشكيل «المحكمة الدستورية» ضرورة من ضرورات سيادة الدستور، فان نشوء الحركة الشعبية السياسية المناصرة للدستور والحكم الدستوري، تمثل القوة الحاسمة لخلق ميزان القوى السياسي الذي يكفل ويضمن ان «الدستور خط أحمر».