130 الف قاتل

ناهض حتّر
افتضاح المذبحة البشعة التي ارتكبها الجنود الامريكيون في بلدة «حديثة» العراقية، كان علامة على تنامي قوة المنظمات المدنية في هذا البلد المنكوب. والان، جرى فضح مذبحة اخرى في «الاسحاقي». جنود الاحتلال الامريكي المذعورون اصابهم السُّعار الجماعي، وهم يقتلون بالرصاص – وفردا فردا كأهداف رماية- الاطفال والنساء والشيوخ.

هاتان المذبحتان هما اللتان جرى الكشف عنهما بواسطة نشطاء عراقيين شجعان وناضجين بما يكفي لشن معركة اعلامية ضد القتلة الامريكيين. لكنهما ليستا سوى اشارتين عما يحدث من مذابح امريكية في العراق. وهذا يضيف الى فشل الاحتلال الامني والسياسي، والسقوط الاخلاقي الذي انكشف، اولا، في فضيحة التعذيب في سجن ابو غريب، من دون ان يحاصر بالجهود اللازمة لتعرية تفاصيله اليومية.

وهذا يطرح على الوطنيين العراقيين، مهمة تعضيد المنظمات الحقوقية والانسانية، وتوفير الاموال وحشد الكوادر لعملها المهم جدا في عملية التحرر الوطني التي يخوضها الشعب العراقي ضد الاحتلالات الاجنبية.

ومن اجل تكوين قواعد فكرية وسياسية واخلاقية راسخة ومنسجمة لحقوق الانسان في العراق، فلا بد من توحيد المعايير بصورة صارمة، وفضح وادانة كل الانتهاكات الحاصلة في الماضي والحاضر، وسواء تلك المرتكبة من قبل المحتلين ام من قبل المليشيات الطائفية – بما فيها «القاعدة» – ام من قبل الاجهزة الحكومية.

هكذا نشاط سوف يمنح النضال العراقي ضد الانتهاكات، صدقية مضاعفة، ويشكّل – بالمثابرة والتزام الشروط المهنية والحياد – عملية سياسية لوقف الانتهاكات، وتجريم الاعتداءات على المدنيين انّى كان مصدرها، ويؤسس لقواعد احترام حقوق الانسان والمواطن في العراق.

وطالما ان القتال ضد الاحتلال الاجنبي هو، في النهاية عمل مشروع وطنيا وقانونيا واخلاقيا، فان النضال لوقف الانتهاكات ضد المدنيين سوف يشل ايدي المحتلين والطائفيين ومتآمري الحرب الاهلية، ويجلب للحركة الوطنية العراقية، المزيد من الانصار على المستويين العربي والدولي.

وبالعودة الى قيام منظمة «حمورابي» الحقوقية بفضح مذبحة «حديثة»، فسوف نلاحظ، تواً، الاثر السياسي لقيام هذه المنظمة باثبات قيام الجنود الامريكيين بالقتل العمد ل¯ «24» عراقيا بينهم اطفال. فقد اضطر الرئيس الامريكي بوش الصغير لمواجهة الخزي والوعد بالتحقيق، و «التصدي لمخالفة القواعد الاخلاقية»، من قبل جنوده «في المعركة». وهذه المداخلة هي بحد ذاتها ضرب من المخاتلة. فغزو العراق، من الاساس، هو لا اخلاقي، و «المعركة» التي يتحدث عنها بوش الصغير، هي عملية سطو مسلح على بلد وكيانه وثرواته، وهي ليست الا سلسلة من المذابح ضد المدنيين العزل، لكن هذه المخاتلة ذاتها تستنزف المزيد من صدقية قضية الحرب في الولايات المتحدة، حيث ينضم الملايين الى وجهة النظر المضادة لاحتلال العراق.

المذابح الامريكية تحدث يومياً في بلاد الرافدين، طالما انها الاسلوب القتالي الوحيد المتاح امام قوات احتلال تواجه اهدافاً غير ثابتة وغير عسكرية لمقاومين يستخدمون وسائل حرب العصابات، حيث لا مواجهات مباشرة ولا اشتباكات بالمعنى العسكري التقليدي.

والمذابح في الميدان، تصدر، بالطبع، مثلما قلنا، عن جنود مذعورين ومسعورين، لكن لها هدفاً سياسياً هو بث الرعب في صفوف المواطنين، وتدمير القاعدة الاجتماعية للمقاومة. لذلك، فان المذابح ليست بالاحداث الفريدة. الفريد هو توثيقها وفضحها. فلماذا لا تواجه الادارة الامريكية، يوما بعد يوم، بفضائح جرائمها في العراق؟ ولماذا لا يتم احراج الانظمة العربية، يوماً بعد يوم، ببشاعة صمتها عن – ان لم نقل تواطئها مع – القتلة الامريكيين في العراق؟

لقد وقع فضح مذبحة «حديثة» مثل اللطمة على وجه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. وضربت «هيبته» التي يحاول الامريكيون والبريطانيون، فرضها سياسيا، وفك العزلة عن الحكومة العراقية على الرغم من كونها حكومة دمى.

لقد اضطر المالكي الى ادانة مذبحة «حديثة»، لكنه لم يجرؤ سوى على المطالبة باستلام ملف التحقيق في القضية. لم يجرؤ على المطالبة برحيل 130 الف قاتل امريكي عن ارض العراق. لقد كشفت مذبحة «حديثة» عن المالكي .. بوصفه دمية!.

Posted in Uncategorized.