ناهض حتّر
مثلما حدث في راوية غالبريال ماركيز «قصة موت معلن» كان معروفاً، بصورة تدعو للدهشة، ان قيادياً من قوى 14 شباط يقتل. والاختلاف الوحيد هو ان اسم الشخص المعني بالقتل لم يكن متداولاً.
وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس، اعلنت الخبر الآتي مبكراً. ثم تبعها قائد القوات اللبنانية سمير جعجع. وكانت بيروت، عشية الاغتيال، شبه خالية، ومنقبضة، وتكتظ برجال الامن والحواجز.
وليد جنبلاط وحلفاؤه كانوا جاهزين بجدول اعمال سياسي، اما جماهير 14 شباط المحتقنة طائفيا، فقد كانت مستعدة. وكأن الجميع كان بانتظار الاعلان عن اسم المغدور الجديد.
والمغدور بيير – ووالده امين الجميل – كانا خاليي الذهن. لم تصلهما المعلومات بالتهديد المنتظر. لذلك، لم يتحسب وزير الصناعة الشاب للخطر الداهم، حتى انه صرف المرافقة الامنية الاضافية، بينما تبين ان احد مرافقيه لم يكن قد صان مسدسه منذ زمن.
كان بيير الجميل – مكشوفاً تماماً، في عرض الشارع، من دون حماية امنية، صحبة مرافقين غرّين مات اولهما فوراً و«روكب» مسدس الثاني فلاذ بالفرار!.
الجناة نفذوا القتل بالرصاص علناً، بكاوتم الصوت وبالصوت، في وضح النهار، وغادروا بسيارتهم في شوارع مكشوفة ثلاثة كليومترات، لم يعترضهم احد، اين الانتشار الامني الكثيف والحواجز والكاميرات والشبكات الامنية؟ كل شيء تعطل اكثر من ساعة كانت كافية لاختفاء المجرمين.
الجميل، الاب المفجوع، شعر بالقهر والمهانة، وكانت ردة فعله الاولى، الانسانية الصافية، هي الرغبة في مواراة نجله التراب في اليوم التالي في جنازة دينية. طلب من اللبنانيين الصلاة لروح الشهيد، وعزم على حرمان حلفائه من استثمار الدم المظلوم. ما الذي حدث وجعل الرئيس الاسبق الضليع بألاعيب السياسة اللبنانية، يرضخ للتحريض؟ التهديد ام الوعود ام كلاهما؟
المعادلة العجيبة هي ان المغدور مسيحي ماروني كتائبي، وان المتهمين بقتله، هم السوريون و«ادواتهم» في لبنان.. ما يجعل فورة الدم الممكنة هي مارونية سورية او مارونية شيعية. لكن ما حدث ان فورة الدم تحولت، فوراً، سنية – شيعية!.
السوريون، بالطبع، غير موجودين في البلد، واغلبية الموارنة منضوون في التيار الوطني الحر الحليف الاوثق لحزب الله، وهناك شعور ممض لدى آل الجميل والكتائب بأن فتاهم كان ضحية امريكية. وهذه اللوحة تجمّد فورات الدم! لكن الاحتقان على اشدّه في الشارع السنّي، ويمكن اطلاقه في اية لحظة، بمناسبة اي اغتيال وبالنيابة عن اية طائفة.. وداخل الطائفة نفسها. فما هي، يا ترى الدوافع السياسية او النفسية التي تجعل ميليشيا سنية تحاصر منزل رئيس الوزراء «السني» الاسبق، والشيخ الاعزل سليم الحص، وتطالبه بمغادرة بيروت؟ من الواضح انه ليس مسموحاً بأية معارضة من داخل الطائفة. والطريف ان مشروع السنّة السياسي في لبنان، ليست له ادوات سنية فعالة. ولذلك، فهو يستعير حزباً مارونياً – القوات اللبنانية، وآخر درزياً – جنبلاط – ما يجعل المشهد فانتازياً، مأساويا حد الفجيعة لكنه هزلي.