لو كان الفقر رجلاً…

ناهض حتّر
ولكن الفقر ليس رجلاً لنقتله! ولا آفة لنكافحها، ولا وضعية جانبيّة نستدركها بأعمال الخير. كلا! الفقر هو عملية اقتصادية – اجتماعية- سياسية مستمرة في ظل الليبرالية. ولذلك فمن الأدق أن نتحدث عن “الافقار”.. لا عن الفقر!

و«الافقار» ليس انحرافاً في اتجاه ليبرالية السوق او نتيجة عرضية لها، وانما هو يقع في صلب ضروراتها، اولاً لأن الرأسمالية الليبرالية تقوم على معيار وحيد للنشاط الاقتصادي هو مراكمة الأرباح، ومؤدى ذلك تركيز الثروة والملكية والنفوذ في أيدي فئة متقلّصة متراصّة، تمثل عنوان النجاح الذي يتحقق، حتماً، على حساب الفئات الأخرى من المنافسين والطبقات الوسطى، والكادحين، والفقراء والمهمشين، وثانياً، لأن الرأسمالية الليبرالية تتحقق، و«تنجح» بغياب دور الدولة الاقتصادي- الاجتماعي، بل وتقليص الدولة وأجهزتها وخدماتها وقطاعها العام! في حين أن الدولة هي التي تنظم التوازن الاجتماعي كوسيط لاعادة توزيع الثروة على المستوى الوطني، ويحدث ذلك من خلال القطاع العام الاقتصادي- او من خلال النظام الضريبي التصاعدي. وهما آليتان مرفوضتان – كلياً- من قبل الرأسمالية الليبرالية.

لقد عاشت شعوب البلدان الصناعية، ثلاثة قرون من البؤس والشقاء، قبل ان تنشأ، بعد الحرب العالمية الثانية، حزمة من الأنظمة – المضادة لليبرالية- وهي: الاشتراكية في الشرق، والرأسمالية الاجتماعية في الغرب، ودول القطاع العام أو رأسمالية الدولة في العالم الثالث. ثم سقطت هذه الفترة الذهبية تحت وطأة الأزمات، وانهارت امام الهجمة الشرسة المسلحة لليبرالية الجديدة بقيادة الاستعمار الأمريكي، منذ مطلع التسعينيات.

ولم ينج الاردن من هذه الهجمة التي تمكنت، في العقد الأخير، من القضاء- تقريباً- على دولة القطاع العام والرعاية الاجتماعية، واعتماد الخصخصة وليبرالية السوق المعولمة، عقيدة رسمية للدولة.

وهكذا، فإن طوابير الفقراء المتزايدة في بلدنا، هي،في الحقيقة، دليل نجاح – وليس فشل – الاتجاه الاقتصادي المسيطر. فمقابل كثرة الفقراء، هناك، ايضا الثروات الخيالية التي حققها «مستثمرون» أجانب ومحليون في فترة قياسية. وهي تزيد، مرتين، على اجمالي المساعدات والقروض والضرائب.

وبالاضافة الى التزايد الكمي الكبير في اعداد الفقراء الاردنيين، حدث، كذلك، تغير نوعي في ثقافة الفئات الشعبية المفقّرة.

في السابق، حين كانت فرص الترقّي الاجتماعي – عبر الدولة وخدماتها لا تزال قائمة، والتعليم – الثانوي والجامعي – جيد ومجاني، والوظائف ممكنة، واسعار الغذاء والدواء في متناول الاغلبية، كانت العائلات الفقيرة تصبر على فقرها الى فرج آت بالجد والاجتهاد، وتتحصن بكرامتها الانسانية، في بيوت مستورة، تشكل جسم المجتمع، في حين لا يوجد اغنياء فاحشو الثروات او الانفاق.

كنّا فقراء محترمين جداً، نأكل ونقرأ، ونفرح، ونتعلم، ونكدّ، ونغلق الأبواب على منازل متواضعة لكنها نظيفة وبهيجة ومحصنة بعزة النفس والكبرياء.

لكن ما نراه، اليوم، هو فقر كريه، يائس، بلا أمل في التحرر والترقّي، وبالتالي: بلا صبر ولا كرامة ولا كبرياء.

هبط قسم كبير من الفقراء الى معوزين يطاردون الحسنات، واصبحت أعمال الخير – التي كانت في الماضي معنية بقطاع محدود – أيديولوجية مسيطرة مشبعة بالاتجاهات الدينية التي تساعد الفقراء على القبول بوضع المحْسَن إليه… او التمرد الارهابي التكفيري الغاضب.

فقراء الأمس كانوا يتوجهون الى الأحزاب اليسارية والقومية، استمراراً للأمل الشخصي في الأمل الوطني!!

وفقراء اليوم يتوجون الى الجمعيات الخيرية…

ويغرقون في سيكولوجية الارتزاق.. أو التطرف.

* * *

مكافحة الفقر.. لها طريق واحد هو مكافحة الليبرالية

Posted in Uncategorized.