ناهض حتّر
لا أتحدث عن مؤامرة او سلسلة مؤامرات، لكن من السيرورة الموضوعية للسياسات الأمريكية في بلادنا. ومآلها تفجير الحروب الأهلية.
نبدأ بالعراق، ونلاحظ أن محاولة الولايات المتحدة لتلافي الانهيار السريع لاحتلالها هذا البلد، قد قادتها الى اتباع خطط قصيرة المدى، سياسياً وميدانياً، تهدف الى محاصرة المقاومة بالانشقاق الطائفي والاثني والعنف المنفلت والرشى والتخريب الاجتماعي – السياسي.
وقد تفاعلت هذه الخطط مع المؤثرات الماضوية والمصالح الفئوية والاقليمية، ما ادى الى مأسسة الانشقاق الطائفي، والفوضى الأمنية، والتذابح، وتحضير الميدان للحرب الاهلية.
هل أرادت واشنطن الوصول الى هذه النتيجة؟ لا بالطبع. فانهيار العراق وانحطاطه الشاملين ليسا العنوان الملائم لنجاح المشروع الأمريكي، ولكنها ضرورة الابقاء على الاحتلال بأي ثمن. والثمن يدفعه العراقيون جميعاً بالدرجة الاولى، لكن العراق اصبح عبئاً على الأمريكيين ايضاً.
ومع ذلك، وعلى الرغم من النتائج الكارثية لخطط «تعريق» الصراع في بلاد الرافدين، واصلت واشنطن، السير على الطريق نفسه في بلاد الشام. وهي صممت ونفذت – بواسطة حلفاء- محاولة انقلاب سنية فاشلة في لبنان وسورية، كان هدفها -ولا يزال- الخروج من المأزق العراقي من خلال معادلة طائفية جديدة على مستوى الهلال الخصيب، بل قل حكم الطوائف المتأمركة: السنّة في بيروت ودمشق، مقابل الشيعة في بغداد.
وعلى هذه الخلفية، نشأ تحالف 14 شباط في لبنان، لتحقيق هدفين: تجريد حزب الله من السلاح واسقاط النظام السوري. وبالنظر الى فشل تحالف 14 شباط في تحقيق أي انجاز، استعانت واشنطن باسرائيل لشن حرب طاحنة على حزب الله ولبنان، انتهت هي الأخرى الى هزيمة.
وبالنسبة للبنانيين، كانت وحدتهم في مجابهة الحرب الاسرائيلية وآلامها، فرصة ثمينة للتفاهم الداخلي واعادة ترتيب البيت اللبناني على أساس الأولويات الوطنية. ولكن هيهات! فالدفع الأمريكي هو باتجاه التصعيد الذي أطلق الأفاعي من جحورها، وأعطى للقوى الهامشيّة من مخلفات الحرب الطائفية في لبنان، حضوراً وفاعلية يتبدد ان بالمصالحة.
وبالمحصلة، وصل الانشقاق السياسي الداخلي في البلد المنكوب الى حدّ ينذر بالخطر الداهم: فتحالف 14 شباط مصمم – بالدعم الأمريكي المشروط- على رفض التسوية المقترحة لاقامة حكومة اتحاد وطني، بينما تحالف حزب الله- التيار الوطني الحر، لا يستطيع التنازل عن مطلب الحد الأدنى ذاك من دون ان يخسر فريقاه، حضورهما.. وربما تحالفهما!
الصدام الاعلامي -السياسي يحتدم… والصدام الفعلي يقترب، وتلوح في الأفق، مجدداً، نذر الحرب الاهلية.
وفي فلسطين، حيث اشتبك الأخوة بالسلاح فعلاً، لا يترك الدعم الأمريكي للنظام الفتحاوي أي مجال للتسوية الداخلية مع الشريك الحماسي. «فتح» تطالب «حماس» بالانتحار السياسي ثمناً للخروج من الازمة عبر حكومة وحدة وطنية، عنوانها «الاعتراف» باسرائيل «وبالنهج التفاوضي الفتحاوي- باتفاقاته وآلياته- المعتمدة منذ اوسلو .1993
هل يعني ذلك شيئاً سوى تحويل حماس من ندِّ وشريك الى تابع، يتم لحجمه والخلاص منه لاحقاً؟ هل تقبل حماس بالانتحار على المذبح الأمريكي؟ ولقاء ماذا؟ وهل سيكون هناك مفر من الصدام العنيف.. والحرب الأهلية؟
***
ثلاث حروب اهلية في مرحلة التنفيذ او التحضير او الاعداد، هي المآل الحتمي للسياسات الامريكية في المنطقة. وهي السياسات التي توجتها «صيغة» وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، في تعريب الصراع بين «المعتدلين» و«المتطرفين» واسلَمَته بين السنّة والشيعة، وبين العرب والفرس، في محاولة لانفاذ السيطرة الامريكية على الشرق الاوسط… بأي ثمن.