ناهض حتّر
رأت واشنطن في خطاب الرئيس بشار الأسد “الخميس الماضي” ما يدعو الى “الاشمئزاز” ودليلاً على ان دمشق “لا تتعاون” مع المجتمع الدولي، وهددت باريس، السوريين، بالعقوبات. ومع ذلك، أعرب ممثل الشرعية الدولية، كوفي عنان عن سعادته إزاء التزام الأسد بالتعاون مع لجنة التحقيق في اغتيال الحريري.
وهذا التناقض في تقييم خطاب الرئيس السوري، يعكس «ويكشف» الأجندتين، الامريكية والفرنسية، اللتين تتاجران بدم الحريري لتحقيق اهدافهما، بينما لا يريد المجتمع الدولي – كما اوضح عنان – من سورية، سوى التعاون في التحقيق وتسهيل معاقبة المذنبين اذا كانوا سوريين ويحظى هذا الموقف بدعم روسيا والصين، ويمثل مضمون القرار الدولي ،1636 الذي تلتزم القيادة السورية – كما هو واضح – بتنفيذه حرفياً. لكن، بالطبع، ضمن الاصول القانونية وقواعد السيادة والعلاقات الدولية.
رئيس لجنة التحقيق الدولية، ميليس، لا يتصف بالنزاهة – أو لا يتقيد بالحسابات – مثلما هو حال عنان. فهو يرفض توقيع بروتوكول تعاون مع سورية، ويريد جلب المسؤولين السوريين الى بيروت للتحقيق معهم، وما يزال يرفض العرض السوري المتسامح فعلاً لاستجوابهم في القاهرة.
غير ان كل ذلك، اصبح من التفاصيل غير المهمة، بل الفائضة. فالامريكيون – والفرنسيون والانكليز – اتخذوا قرارهم الخاص بادانة سورية – في كل الاحوال – وهم يجهزون، بالفعل، لاسقاط النظام البعثي وتفكيك الدولة السورية.
هذه هي القناعة التي توصلت اليها القيادة السورية، وعكسها خطاب الأسد، صراحة. و قد اتصف هذا الخطاب بالدقة، ومجابهة الحقائق، وتسمية الأشياء باسمائها. لقد اصبحت بيروت، بالفعل «ممراً ومصنعاً للمؤامرات» على سورية، وانتقل الحكم فيها الى أيدي قوى كمبرادورية تابعة للأمريكيين والفرنسيين. وتتاجر هذه القوى، بالفعل، بدماء الحريري، وتحضر لبنان للمواجهة الداخلية «مع حزب الله» والاستسلام أمام اسرائيل. كذلك، فان الحكومة العراقية لا تملك قرارها، ولا تستطيع التنسيق مع سورية لضبط الحدود. فهي ليست اكثر من حكومة دمى للمحتلين.
الامريكيون والفرنسيون يريدون اخضاع سورية ولبنان، واقتسامهما، ولم يعد امام الشعب السوري – مثلما قال الأسد عن حق – سوى المقاومة.
وجاء الخطاب في وقته تماماً لاظهار القدرات السورية على الردّ الفعال. فما يزال لدمشق حلفاء اقوياء في لبنان. وهي تستطيع ان تضاعف، مئة مرة، دورها في العراق. وهي سترد على الايذاء بمثله، وعلى المستوى الاقليمي وهذه ليست عنتريات، بل انه وعيد له مضمون فعلي. وعلى كل حال، فان أسوأ الاحتمالات – وهو احتلال سورية – سينتهي الى توحيد المقاومة العراقية والسورية، وتوسيع المأزق الامريكي وتعميقه على مستوى المنطقة كلها.
يبقى ان خطاب الأسد، اغفل – للأسف – اعلاناً «واضحاً» من القيادة السورية لاطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتشريع المعارضة الوطنية.