“حفظ النوع العراقي”

ناهض حتّر
لم يصدر، حتى الآن، أي تشكيك مهني، غير سياسي، بنتائج الدراسة المهنية التي أجراها أكاديميون أمريكيون وعراقيون حول أعداد ضحايا الغزو والعنف في العراق، منذ آذار ،2003 والتي تبين انها تصل الى 650 الفاً، وهو ما يشكل 2.5 بالمئة من العراقيين.

ادارة بوش الصغير -والحكومة العراقية- شككتا في هذا الرقم، لكنهما لم تقدما أي دليل او معالجة ذات صدقية تنفيه كاطار للتقدير. وللأسف – بل قل انه من العار- ان الامم المتحدة او الاتحاد الاوروبي او الجامعة العربيّة، لم تجد في ذبح 2.5 بالمئة من الشعب العراقي، خلال ثلاث سنوات ونصف فقط، ما يدعو الى التدخل او حتى التحقيق.

وعندما نضيف الى الـ 650 الف ضحية، حوالي ثلاثة ملايين مهاجر او نازح أو مشرد.. وكذلك الجرحى والمعاقين جراء العمليات العسكرية، فنحن نتحدث، اذن، عن حرب ابادة -بالمعنى الفعلي وليس المجازي- ضد الشعب العراقي. فالأزمة العراقية مفتوحة ومتصاعدة.. ومن الممكن ان تستمر عقداً من السنوات او اكثر، اي ان العراقيين، عندها، سيكونون قتلى او جرحى او معاقين او مهاجرين اي ان العراق الذي نعرفه سيكون قد انتهى، فعلياً، سنة 2015-.2020

ولم أعد استبعد ان تكون هذه هي الاستراتيجية الأمريكية: تطهير العراق من العراقيين كلياً مثلما حدث مع الهنود الحمر في امريكا نفسها، ومثلما حدث -على نطاق أصغر- في فلسطين. وسوف تحصل الشركات النفطية الأمريكية في النهاية، على أرض خلاء غنية بالموارد النفطية والمعدنية، وذات موقع استراتيجي.. وبلا سكان او بأقل كثافة سكانية ممكنة، مثلما هو الحال في البلدان النفطية الاخرى في الخليج.

انا لا أتحدث عن سيناريو فانتازي كابوسي، بل عن مذبحة مستمرة وتشريد مستمر وبأرقام ضخمة يستنزفان الشعب العراقي فعلياً، وهو ما يجعل التدخل العربي والدولي، مهمة ضرورية غير قابلة للتأجيل.

قوى المجتمع الدولي تترك العراق لامريكا. لأنها تريد للامبراطورية ان تغرق في هذا البلد، والقوى الاقليمية -وعلى رأسها ايران- تريد الخلاص من المنافس العراقي الكبير؛ أما الأنظمة العربية «المعتدلة» فقد ربطت مصيرها بمصير المشروع الامريكي في الشرق الأوسط، في حين ان قوى «الممانعة» و«المقاومة» في سورية ولبنان وفلسطين، تسعى، فقط، للنجاة بنفسها.

لكن، أثناء ذلك، فان الشعب العراقي يفنى! وكل المداخلات الحاصلة، تحدث في سياق واحد هو السياق الاستعماري الامريكي، لا يعني ذلك التواطؤ المباشر.. ولكن التواطؤ مع المشروع الامريكي وعناوينه الواقعية على الارض، وهي: ابادة العراقيين وتهجيرهم، وتقسيم العراق، واغراقه في الحرب الأهلية، كل القوى تحتطب من النخلة العراقية، وكل القوى تساهم في هذا «المشروع» الاجرامي: «القاعدة»، والأحزاب الرجعية الكردية، والمنظمات والميليشيات الطائفية بكل ألوانها وأشكالها، وايران.. والأنظمة العربية. فمَن للعراقيين؟

1- لهم انفسهم أولاً، للصحوة من هذا الانتحار الذاتي الى إعادة اكتشاف الذات الوطنية، في النضال ضد الاحتلال الامريكي ومشروعه السياسي.. وبالأولوية المطلقة لحفظ المجتمع العراقي، بل حفظ النوع العراقي.

2- ولهم الشعوب العربية ثانياً، من أجل انتفاضة ضمير دفاعاً عن حق الشعب العراقي في الحياة والأمن والاستقلال وهذه المهمة واجب شخصي جداً، اخلاقي وانساني، مثلما هي واجب جماعي وقومي، ما يزال الناهضون له في باريس أكثر منهم في عمان، وفي لندن أكثر منهم في دمشق.. والقاهرة.

فلنصرخ في وجه القتلة!

* * *

العراق، هو اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، عنوان للنضال العربي ليس في صيغة التأييد الطائفي – أو الحزبي – للمقاومة، بل باعادة تعريفها من وجهة نظر المجتمع العراقي ووحدته ومصالحه! وليس في الصيغة القائمة من شرب الانخاب القومية على الموت العراقي، بل في بذل الجهود الحثيثة اليومية الصبورة لوقف مسلسل الموت المجاني في العراق! وليس في السكوت على السياسة الايرانية التي تستخدم الدمار العراقي لتمرير برنامجها النووي.. أو – بالعكس – الاستخدام «العربي» لبركة الدم العراقية في معارك المنظور الطائفي للقومية العربية.. ضد ايران، -بالتفاهم – الضمني أو المباشر – مع عدو”ها” الامريكي. كلاّ بل في اكتشاف بديل يؤمن في الآن نفسه «1» وقف الابادة والتشريد كأولوية مطلقة «2» رحيل الاحتلال. وتحميله المسؤولية – السياسية والاخلاقية والمالية – عن الكارثة العراقية «3» قوات دولية «4» وقف العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية واندراج كل العراقيين في عملية سياسية مضادة لاعادة تأسيس الوطن والمجتمع والدولة.

Posted in Uncategorized.