ناهض حتّر
استئناف العلاقات الدبلوماسية السورية – العراقية، حدث يؤشر على الآتي من تغييرات سياسية دراماتيكية في المنطقة. فسواء أكانت دمشق قد «تلقت طلبا امريكيا بخصوص العراق أم لا، فان زيارة وزير الخارجية السورية، وليد المعلم، الى العاصمة العراقية، هي بمثابة تمهيد للدور السوري اللاحق في العراق. ومن النافل القول ان مبادرة المعلم، لن تتحول الى خطة ميدانية الا في سياق تفاهم شامل مع الادارة الامريكية، يشمل احياء العملية السلمية بشأن الجولان، والتفاهم بشأن لبنان.
طهران، بدورها، وجهت الدعوة الى الرئيس العراقي جلال الطالباني للتباحث حول التهدئة في العراق. وهناك انباء صحافية عن دعوة ايرانية متواضعة الى الرئيس السوري بشار الاسد، لعقد قمة ثلاثية. وهذه تدخل، ايضا، في الدبلوماسيات، وإعداد المسرح للعبة القادمة المنتظرة ، وعنوانها الرئيسي هو «البحث عن وقت مناسب لانسحاب الجيش الامريكي من العراق» على حد تعبير الامين العام للامم المتحدة، كوفي أنان. ما تظهره ادارة بوش الصغير من تعنت اللحظة الاخيرة، وما تعلنه من شروط لاشراك سورية وايران في حل المشكلة العراقية، ليسا جديدين، فالكل يعلم من هو القادر على املاء الشروط الان! وفي واقع الحال، فان بوش الصغير نفسه، كلّف لجنة بيكر – هاملتون الخاصة بالعراق، توسيع نطاق عملها ليشمل تقديم مقترحات جديدة لاستئناف المفاوضات على المسارين الفلسطيني والسوري. وهذا يعني ان مبدأ الترابط بين قضايا المنطقة قد قُبل في واشنطن، باعتباره الاطار الوحيد الممكن لانقاذ ما يمكن انقاذه من النفوذ الامريكي في المنطقة، بدءا من تجاوز المأزق العراقي، وهكذا فاننا نستطيع ان نتنبأ، ايضا، بمرونة امريكية اكبر ازاء الملف النووي الايراني، وكذلك، ازاء حل توافقي في لبنان «قبل نهاية العام» مثلما توقع زعيم التيار الوطني الحر، ميشال عون.
لكن المرحلة الانتقالية بين نهج المحافظين الجدد ونهج بيكر، تكتظ بالمداخلات والتصريحات المتضاربة والاشارات المتناقضة. ففي حين احيطت زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي، ايهود اولمرت الى واشنطن، بهالات اعلامية، تؤكد تقارير بأنه كان مضطرا هناك، لكي يستمع اكثر مما يتحدث، وبدا كلامه عن الخطر الايراني، خارج السياق، بل كاريكاتورياً الى حد بعيد. فالولايات المتحدة ليست في هذا الوارد. فهي تبحث عن حل ما لانقاذ رئاسة بوش الصغير، لا عن التصعيد، وتل ابيب، المهزومة امام حزب الله، ينبغي لها – حسب تعبير الرئيس الامريكي نفسه – ان «تبذل المزيد من الجهد في تدريب جنودها». وهذا معناه انها غير مستعدة او مهيأة لمجابهة ايران.
على هذه الخلفية، تتداول الصحافة الاسرائىلية، انباء عن اتصالات سريّة باتجاه عقد مؤتمر دولي بمشاركة مصر والسعودية والاردن واسرائىل برعاية الولايات المتحدة، في موعد قريب جداً، للبحث في امكانية تطبيق المرحلة الثانية من خارطة الطريق، والتوجه، تالياً، الى تنفيذ خطة انفصال متفق عليها مع الرئاسة الفلسطينية، وصولا الى قيام دولة فلسطينية في حدود مؤقتة ووضع جدول زمني لتحقيق التسوية الدائمة.
اسرائيل لم تقل كلمتها بعد في هذا السيناريو، لكن حكومة اولمرت تبدو في مأزق بين عدم قدرتها على الرفض، او بين اضطرارها الى الائتلاف مع حزب اسرائىل بيتنا» اليميني بزعامة افيغدور ليبرمان الذي يتبنى استراتيجية تصفية القضية الفلسطينية على حساب الاردن. وبالخلاصة، فان اسرائىل قد تستجيب للمشاركة في جولة دبلوماسية معقدة ومن دون افق – ولكنها تفيد واشنطن لاستعادة بعض نفوذها الضائع في المنطقة وتحقيق شيء ما في العراق.
بالموازاة، نستطيع ان نشير الى ان مبادرة السلام الاسبانية – الفرنسية هي، بحد ذاتها، تعبير عن تراجع النفوذ الامريكي – الاسرائىلي.
فالمبادرة اطلقت من دون التشاور مع تل ابيب او حتى مع واشنطن، ما يعكس رغبة العاصمتين الاوروبيتين بالتدخل في الشرق الاوسط خارج هيمنة الدبلوماسية الامريكية والفيتو الاسرائىلي الذي طالما شلَّ اوروبا عن الفعل السياسي، شرقي المتوسط.
كل هذه المؤشرات تدلنا، بوضوح، على ولادة لعبة جديدة في المنطقة. ونحن نخشى من الآتي:
اولاً: ان تكون المداخلة السورية في العراق في سياق ايراني، اي في سياق تعزيز العملية السياسية الطائفية ونهج المحاصصة والتقسيم الفعلي للبلد. وهذا هو الشق السياسي من المشروع الامريكي في العراق، والذي تؤمل واشنطن بانقاذه، لقاء انسحابها العسكري.
ثانيا – ان تكون المبادرات السلمية المطروحة، اطاراً لاعادة تسويق اسرائىل عربياً، والدخول في ماراثون تفاوضي جديد، بلا افق حقيقي للحل على كافة المسارات، وخصوصاً الفلسطيني، ما يعني تجديد الاوهام والآلام.