ناهض حتّر
أعلنت الجماعات المسلحة المنضوية تحت قيادة تنظيم “القاعدة” في العراق، دولة اسلامية في مناطق الاغلبية السنية في البلد. وهي أظهرت، بذلك، ان استراتيجيتها تتطابق، خطوة بخطوة، مع استراتيجية الاحتلال الأمريكي.
الغزاة الأمريكيون، الذين فاجأتهم سرعة وقوة المقاومة العراقية وفعاليتها القتالية، اتجهوا، اولاً، الى تلطيخ سمعة هذه الحركة الوطنية التحررية الباسلة، بالارهاب، ثم اتجهوا الى اغراقها بالتذابح الطائفي في سياق «العملية السياسية» التقسيمية القائمة على المحاصصة الطائفية والاثنية ايضاً.
وكان تنظيم «القاعدة» يضع امكاناته، دائماً، في خدمة الخطط السوداء للغزاة. والآن، عندما اتجهت ادارة بوش المجرمة الى الحل التقسيمي، لم تتوان «القاعدة» عن منح هذا الحل، الغطاء الجهادي.
لم ينبر جهاديو «القاعدة» للدفاع عن وحدة البلد المسلم، بل قفزوا، فوراً، الى الانتظام في مشروع التقسيم. وكيف لا؟
طالما ان نشاطهم. منذ البداية، كان يؤسس لهذه النتيجة، بالتحريض المذهبي الأسود، والتكفير، ونبذ الوطنية العراقية، والمذابح البشعة ضد العراقيين الشيعة، من دون ذنب سوى انهم ينتمون الى مذهب اسلامي آخر، مدمرين وحدة الدولة والمجتمع والعشائر والعائلات.
وقد خلق هذا النشاط الارهابي المثابر، السياسي والعنفي، الأرضية الملائمة لهيمنة مدرسة آل الحكيم الطائفية الارهابية في الاوساط الشيعية، بما في ذلك جماعات اجرامية من التيار الصدري. وبدأ الارهاب المذهبي المضاد، المنفلت من عقاله ضد «العرب السنة» في عملية تطهير مذهبي مشؤومة، تؤسس، هي الأخرى، للكانتون الشيعي. والعجيب ان الارهابيين الطائفيين، على الجانبين، تواطؤوا مع الكانتون الكردي، فكأن الاكراد ليسوا سنة او شيعة! اعني ان الاحتراب المذهبي كان -وما يزال- له وظيفة سياسية محددة هي تقسيم العراق العربي.
هكذا، إذن، انتظمت قوى التقسيم: الطالباني والبرزاني في كردستان، و«القاعدة» في المناطق السنية، وآل الحكيم وحلفاؤهم في المناطق الشيعية، ولم يبق سوى القتال على «حدود» الدويلات الثلاث، و«التطهير» والتهجير المتبادل، بحيث تتوصل القوى الرجعية المتحكمة الى كانتونات «صافية».
الطالباني والبرزاني والحكيم وجماعته، «حلفاء» قدامى للاستعمار الامريكي والقوى الاقليمية المعادية للدولة العراقية. وها هو تنظيم «القاعدة» – المجاهد ضد الولايات المتحدة!؟ – ينضم، بحكم ايديولوجيته، الى الركب.
ولا نتحدث، ههنا، عن مؤامرة، بل عن تطابق استراتيجي. وهذا هو المهم. فكل استراتيجية طائفية او اثنية، سوف تنتهي، شاءت أم أبت، الى خدمة المخططات الاستعمارية. وهذا ما يوضحه المثال العراقي بجلاء.
وأنا استطيع ان أفهم – ولا أتفهم بالطبع – انتشار العقلية الاقلوية في أوساط المتعصبين الشيعة – على الرغم من ان الشيعة يمثلون الاغلبية في العراق – لكنني لا افهم ولا اتفهم ان يتعاطى عربي سني بالاستراتيجيات الاقلوية البائسة. فالسنة يشكلون جسم الأمة. ومن المنتظر منهم، لذلك، ان يكونوا وحدويين، على الصعيدين القومي والوطني، وقادرين على نبذ التعصب الطائفي.
من حسن الحظ ان هيئة العلماء المسلمين «السنة» في العراق، قد نددت باعلان «القاعدة» عن انشاء الكانتون السني. والمأمول ان تتحد كل قوى المقاومة العراقية والعشائر العربية السنية في الرفض المبدئي لخطط التقسيم. لكن ذلك، وحده، لا يكفي، فمواجهة تلك الخطط، تتطلب التخلص، نهائياً، من المنظور الطائفي كلياً، والسعي العاجل الى جبهة عراقية موحدة على أساس وطني وحدوي، تحشد كل الوطنيين العراقيين ضد الاحتلال المجرم.
هذه المهمة ملقاة، بالدرجة الأولى، على عاتق منظمات المقاومة العراقية. فالبطولات ودماء الشهداء والتضحيات كلها مهددة الآن بالهدر والضياع.