الف .. باء

ناهض حتّر
في الازمات الكبرى، تظهر الحاجة الى اعادة الاعتبارالى البدهيات ،

– الحكومة القادرة على اتخاذ قرارات اقتصادية صعبة – مثل زيادة اسعار المحروقات مثلا – او الدفع باجراء تغييرات اجتماعية، او ادارة لحوارات وطنية بين قوى متعارضة، لا بد لها «اي تلك الحكومة» ان تتحلى بصفات اساسية منها:

«1» ان تكون هذه الحكومة مؤلفة من شخصيات سياسية مؤتلفة ذات وزن على المستوى الوطني، وذات خبرة في ادارة الحياة السياسية، والتعامل مع القوى والمعطيات.

«2» ان تكون التشكيلة الوزارية معبرة عن ائتلاف له طابع وطني بمعنى انه يعبر عن المناطق والفئات والتيارات، في اطار تفاهمات عامة.

«3» ان تحظى هذه الحكومة بالثقة، ليس فقط الثقة النيابية، ولكن الثقة السياسية من قبل الاحزاب والشخصيات والفعاليات الاجتماعية والسياسية والثقافية.

«4» ان يكون رئيس هذه الحكومة شخصية سياسية ذات قدرة وكفاءة وحضور وان يكون اعضاؤها كفؤين لا من الناحية الفنية – فهذه مهمة الموظفين والمستشارين – ولكن من الناحية السياسية.

كل هذه الصفات – وسواها – لا بد منها لبناء القدرة الحكومية على الادارة – خصوصاً في ظل المصاعب ومحطات التغيير – ومن دون هذه القدرة – والتي هي بالاساس، سياسية – لا تستطيع اية حكومة تنفيذ ايٍ من برامجها الا بقوة «السلطة المجردة» وهذه كما هو معروف في علم السياسة والتجربة السياسية – عاجزة وهشة ومعرضة للمواجهات الصعبة.

يميّز فلاسفة السياسة بين نوعين من «السلطة»، وهما:

«1» السيطرة «المرتبطة بالقوة»

«2» والهيمنة «المرتبطة بالاقناع».

ويظهر التمييز الانموذجي بين الحالتين، في اقصى درجاته، حين يتعلق الامر بالسيطرة الاحتلالية الاجنبية. فنحن نرى ان 150 الف جندي امريكي مسيطرون في العراق، لكنهم لا يستطيعون فرض السياسات الامريكية في العراق، بل لا يستطيعون فرض الامن الا في المناطق التي فيها هيمنة سياسية لحلفائهم من القوى الطائفية.

بالطبع هذه حالة خاصة كمثال توضيحي. لكن، في الحالات السياسية الاعتيادية، يكون الوضع متداخلاً ومثقلاً بالمعطيات الحقيقية والاوهام معاً.

السلطة تعطي الوهم بالقدرة، وتتخطى احياناً الحدود، فتنسى مستلزمات الهيمنة «الاقناع» والاقناع ليس عملية «علاقات عامة» انه تسوية في رؤية سياسية جادة تأخذ بالاعتبار المطالب المتعارضة والمصالح والقناعات والمخاوف والآمال .. وكذلك الضرورات والتاريخ والمستجدات .. الخ.

وعلى الرغم من كل اخطائهم، شهد العام العربي زعماء في السابق اتقنوا فن الهيمنة. هذا لا يعني انهم لم يستخدموا وسائل السيطرة، ولكن لم تغب عنهم لحظة ضرورة وسائل الاقناع..

هل ما يزال حزب البعث مهيمناً في سورية؟ سؤال يتجاهله المؤتمر العاشر للحزب .. ولذلك، فهو يفكر في الاتجاه الخطأ: المزيد من الليبرالية الاقتصادية، المزيد من التنازلات للرأسمالية العالمية ووكلائها المحليين، في محاولة «ربما تكون يائسة» للحفاظ على «السيطرة».

هل يمكن للانتخابات الرئاسية في مصر ان تستعيد الشرعية بمعناها الاجتماعي – السياسي – الثقافي، للرئيس حسني مبارك.. ام انه سينضم الى نادي اميل لحود؟!

هل يمكن لحكومة عدنان بدران «المعزولة نيابياً وسياسياً وشعبيا» ان تتخذ قرارات صعبة من دون مواجهات؟ وهل يمكنها ان «تقود» المجتمع نحو خيارات جذرية؟!

* * *

.. وانا لا اتحدث عن ضغوط الخارج .. فهذه تحسم الموقف اي اذا «تمفصلت» على التفكك السياسي في الداخل ويمكن، بالطبع، قمع الداخل – مؤقتاً – ولكن من غير الممكن الانتقال الى صيغة بنائية .. الا بالتفاهم الوطني. والتفاهم لا ينشأ عن صفقة او صفقات، بل عن تسوية لا تتجاهل الصراع الاجتماعي – السياسي.

ولا يمكن شطب ذلك الصراع بالقول انه غير موجود. التجاهل يمشي بالصراع الى نهايات مفتوحة صعبة، بين الاعتراف بالصراعات والمصالح والرؤى المتضادة، يفتح الباب امام تنظيم الخلافات، والتفاهم على تسوية ملف او تأجيل آخر الخ..

.. كأننا نتحدث في الالف باء!؟

نعم. ولكن، في الازمات الكبرى كالتي يعيشها العالم العربي اليوم، تظهر الحاجة الى اعادة الاعتبار الى البدهيات.

Posted in Uncategorized.