ناهض حتّر
لو رأيت كتاب الزميل فؤاد حسين: «الزرقاوي: الجيل الثاني للقاعدة» في مكتبة، كنت اشتريته فوراً، لكن فؤاد تطوع واهداني كتابه الثمين، المحتشد بالوثائق. وقد عكفتُ على قراءته بشغف مضاعف. وفي تقديري ان هذا سيكون سلوك الآلاف من القراء. اعني ان الزرقاوي موضوع اعلامي ساخن جداً وجذاب جداً. انه اسطورة حية: شاب فقير من بني حسن، لم يكمل تعليمه الثانوي. قبضاي تحول الى مجاهد وسجين.
والى هنا، فالقصة عادية حصلت وتحصل يومياً. لكن ما جعل الزرقاوي ظاهرة، هو جرأته على الخلاف مع الشيخ اسامة بن لادن – الرجل القوي في افغانستان الطالبانية – واصراره الملحاح على شق طريق خاص به.
الزرقاوي العقائدي المتحمس المندفع المعتز بانتمائه الى عشيرة عربية كبيرة «اشتركت – حسبما يقول هو – مع جيوش صلاح الدين في تحرير القدس» لم تعجبه استراتيجية بن لادن التي – على الرغم من امميتها – تنطوي على اهداف «سعودية». ولم يرنح للتكتيكات البن لادنية البطيئة والمحسوبة سياسياً، و«الرحيمة» مع الخصوم العقائديين والسياسيين. لكن الزرقاوي افاد من «ليبرالية» بن لادن هذه، بالحصول على حرية الاختلاف وتأسيس معسكر خاص به، يرتكز على فكرتين «جديدتين»:
الاولى اعتقاده بأن اهل الشام – لا اهل الجزيرة العربية – هم قاعدة الثورة الاسلامية. وهو ما اجتذب المجاهدين الاردنيين والفلسطينيين والسوريين الى معسكر الزرقاوي.
والثانية اعتقاده بضرورة القتال من دون توقف، واكتشاف الميادين المناسبة والذهاب اليها، وشطب الحسابات السياسية والرحمة مع الخصوم العقائديين، والسياسيين، وبالطبع المذهبيين فالنهج السني السلفي التوحيدي هو الفرقة الناجية. والآخرون ليسوا بمسلمين.
عبقرية الزرقاوي تكمن هنا بالذات. اي في أنه مشى الى اخر الطريق الذي افتتحته «القاعدة»، وعبّر ببساطة ووضوح، عن المنطق الداخلي لفكرها واستراتيجيتها، الملجومين بالاهداف السياسية الخاصة لبن لادن.
احتلال الامريكيين الهمجي للعراق، المستند الى تحالفات اثنية وطائفية، اعطى الزرقاوي، الميدان المناسب لمعركته وتكتيكاته الدموية. لكن الالحاح الامريكي على تضخيم حجمه ودوره. هو الذي اجتذب اليه الممولين والمجاهدين من العراق والمنطقة، وبالخصوص الاردنيين والفلسطينيين .
كان الامريكيون يحتاجون الى مشجب «اجنبي» يعلقون عليه، اعمال المقاومة العراقية، بحيث يصورونها كمؤامرة خارجيّة، وسط قبول العراقيين بالاحتلال «الديمقراطي». وما حصل، في النهاية، ان الرئيس الامريكي بوش الصغير واعضاء ادارته واجهزته الاعلامية، اشتغلوا جميعاً في الخدمات الاعلامية للزرقاوي.
الآن، مع اعتراف الامريكيين بالمقاومة العراقية، سوف تتراجع ظاهرة الزرقاوي في العراق، ولكنه اكد نفسه، على كل حال، بصفته قائد «الجيل الثاني للقاعدة».