الدبلوماسية الشعبية

ناهض حتّر
حين تكون الدبلوماسية الاردنية الرسمية، مقيدة، لاسباب عديدة، عن اقامة صلات سياسية مع قوى وعواصم اقليمية ودولية.. فهل يكون البديل اهمال هذه الصلات كلياً، بل وتوجيه اللوم للشخصيات الاردنية التي تسدّ الثغرة، وتفتح الابواب الموصدة؟

في السياسات الخارجية للدول، هناك، دائماً، خط ثالث غير رسمي او معلن، بالاضافة الى ما يمكن ان نسميه «بالدبلوماسية الشعبية» وهو نشاط يلح المسؤولون الاردنيون على رفضه، واحيانا على ادانته. ولعل في ذلك تعبير عن تصور احادي للسياسة، يضمر عدم الثقة بالسياسيين من اصحاب وجهة النظر الاخرى.

بين النهج الحكومي والرأي العام الاردني، توجد هوّة، يمكن، فقط، للمعارضة ذات الصدقية ان تملأها، بحيث يظل الحوار السياسي في اطار الدولة. ومن اللافت ان الخلافات السياسية بين الاردنيين لا تعبر عن انقسامات عميقة او اجندات فئوية امنية او طائفية.. الخ بل هي تنحصر في الرؤية السياسية. والاردنيون – جميعاً – لديهم قضية مشتركة هي قضية تعزيز كيانهم الوطني والدفاع عن شرعيته ووجوده وفاعليته ومستقبله. هناك، اذا، مرجعية ضمير اردنية.

الوطنية الاردنية التي تواجه الكثير من العداوات والالتباسات والتشكيك، اقليمياً ودولياً، تحتاج الى جهود جماعية تعمل – بغض النظر عن الخلافات السياسية – من اجل تأكيد الذات الوطنية. وفي عصر ثورة المعلومات، لم يعد بامكان مسؤول ان يقول انه يمتلك معلومات اكثر من سياسي معارض او صحافي. احياناً يكون العكس هو الصحيح، وتكون الرؤية عند المتابع المتحرر من موجبات الموقع الحكومي، اوسع واصفى. كذلك، فان المصادفات والاستعدادات التي تجعل من شخص ما في موقع مسؤول، لا تعني، ابداً، انه يتمتع بذكاء وقدرة تحليلية وشجاعة فكرية، اكثر من المثقف المعارض. بالعكس، قد تكون هذه الصفات احيانا، هي التي تعرقل الصعود الرسمي للسياسي.

ومع ذلك، وفي كل الاحوال، فإن هناك فارقاً بين المثقف والسياسي المحترف. المثقف المستقل هو، دائماً، في موقع نقدي. وعندما يكف المثقف عن النقد، يكف عن كونه مثقفاً. يغدو-عندها-بوقاً.

وظيفة الصحافة – بالاساس – وبالاضافة الى نشر المعلومات – بحرية ودقة ومسؤولية -هي تنظيم اجندة النقاش السياسي – والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.. الخ – وعندما تمتنع الصحافة عن اداء هاتين الوظيفتين.. تغدو مجرد نشرة اعلانات. ذلك انه لم يعد بالامكان تحديد وتقييد المعلومات، كما ان تكرار التصريحات الحكومية في مقالات «جريئة» يفتقر الى الفعالية، ومرودوه عكسي.

تلعب الصحافة المستقلة، دوراً مهماً جداً في تعزيز صورة البلد. ومن يتصفح المواقع الالكترونية، يستطيع ان يدرك الدور الاستثنائي الذي تلعبه الصحف المستقلة في تحسين صورة الاردن لدى الاوساط التي تعارض سياساته الرسمية في العالم العربي.

المعارضة، المثقفون، الصحافة المستقلة.. هذه القوى اساسية بالنسبة للدولة، وهي شديدة الأهمية بالنسبة للدولة الاردنية تحديداً بسبب ما تعانيه من هجمات بعضها ناجم عن الالتزام الرسمي بالعلاقات مع الولايات المتحدة. واختتم بالقول بأن السياسة الرسمية الاردنية، تحتاج الان، واكثر من اي وقت مضى – الى ان تقرأ وتستمع للمعارضة الوطنية والمثقفين والصحافة المستقلة، وتنتبه، بالتالي، الى الافكار والرؤى والمقاربات الاخرى، للافادة لا للرقابة.

Posted in Uncategorized.